‏إظهار الرسائل ذات التسميات سلسلة هذا الحبيب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سلسلة هذا الحبيب. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 26 يوليو 2020

هذا الحبيب (21)

هذا الحبيب (21)
* حادثة شق الصدر*
تقول حليمة رضي الله عنها: رجعنا إلى ديار بني سعد ومعي (محمد) صلى الله عليه وسلم 
وأخذ يشب شبابه مع إخوته في الرضاعة بعدما فطمته عن الرضاعة.. 
(هنا نبدأ بالسيرة، وأول نطقه وكلامه، صلى الله عليه وسلم)  
_____
تقول حليمة: نطق مبكراً، وكان أفصح الصبيان بالنطق والكلام.
تقول: جاء محمد صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام فقال لي: يا أماه ما لي لا أرى إخوتي في النهار؟
فقلت له: يا بني، إنّا لنا أغنامٌ يسرحون بها إلى الليل.
فقال: إني أحب أن أراهم في النهار. 
في اليوم الثاني أراد إخوته الخروج لرعاية الأغنام 
فقال لها: يا أماه، هل تأذني لي أن أرعى الغنم معهم؟
فقلت له: يا بني، أنت صغير!
فقال إخوته: يا أماه يا أماه، دعي محمداً يسرح معنا، نحن نرعاه، لا تخافي عليه سنعتني به
 إخوته من حليمة هم: (الشيماء، وعبد الله، وأنيسة)
وكانت الشيماء دائماً تلاعب النبي وتقوم برعايته مع أمها وتحبه، وعندما تبحث عنه حليمة تجده مع الشيماء تلاعبه وهي تنشد له الشعر. 
هذا أخٌ لي لم تلدهُ أمي.. وليسَ من نسلِ أبي وعمي.
ويكون حولها يضحك ويلعب، صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن الشيماء، فقد أسلمت وكانوا يسمونها أيضاً أم النبي.
 فخرج معهم، وكان لمّا يُكمل السنة الثالثة من عمره بعد، صلى الله عليه وسلم 
فأصبح يخرج ويسرح معهم بالأغنام، حتى أصبح لا يفارق إخوته..
فلما كاد أن يتم الرابعة من عمره (يعني إلا شهرين أو ثلاثة)
_____
تقول حليمة: وفي يوم من الأيام، خرج معهم كعادته فما أن انتصف النهار حتى جاء إبني عبد الله ومعه أخ له وعدد من الصبية يركضون ويصرخون.. 
يا أمااااه يا أمااااه، أدركي أخي القرشي، فلا أراكِ تدركينه (بمعنى يا تلحقيه يا لا)
تقول حليمة: ففزعتُ وقمتُ أنا وأبوه بسرعة وقلنا: ما الخبر.. ما بال محمداً؟!
قالوا: ونحن بين الأغنام، جاء إلينا رجلان، طوال القامة، عليهم ثياب بيض، أخذوا محمداً من بيننا، ثم صعدوا به أعلى الجبل، فلحقناهم.. 
ماذا تريدون منه، أتركوه، إنه ليس منا أتركوه، إنه قرشي ابن سيد مكة، فلم ينطقوا بأي كلمة، ولم نستطع اللحاق بهم. 
ورأيناهم من بعيد قد أضجعاه في طشت معهم، وأخذوا يشقون بطنه! 
تقول حليمة: فانطلقت أنا وأبوه بسرعة مفزوعين.
وأخذت تصيح حليمة بأعلى صوتها وتقول:
وااا ضعيفاه،  وااا وحيداه، وااا يتيماه
______
 فلما وصلت حليمة وزوجها، نظروا الى الجبل.. 
تقول: فرأيناه جالساً على قمة الجبل، منتقعاً، لونه أصفر، ينظر الى السماء. 
تقول: فانطلقت نحوه مسرعة، ثم احتضنته وقبلته، ثم احتضنه أبوه. 
قلت: يا بني؛ ما الذي جرى لك، أخبرني؟!
قال: إني بخير، بينما أنا بين إخوتي أقبل إلينا رجلان عليهم ثياب بيض فأخذاني من بين الصبية. 
 قال أحدهم للآخر.. أهو؟
 فقال له: هو 
 ثم وضعاني في شيء معهما بكل لطف ثم شق أحدهما من صدري إلى منتهى عانتي وأنا أنظر إليه لم أجد لذلك مساً! 
(يعني لا يوجد وجع وألم)
 وأخرج أحشائي ثم أخرج منها شيئاً لا أعرفه، ثم غسلها بالثلج، ثم أعادها مكانها. 
فقال له صاحبه: قد قُمتَ بما وُكّل إليك فتنحى (بمعنى أنه انتهت مهمتك التي قد وُكلت بها)
ثم جاء الآخر فوضع يده على صدري ومسح عليه فرجع صدري والتحم. 
 وكشف لهم عن بطنه أي انظروا.. فلما نظروا رأوا مثل جرح وكأنه ملتحم جديد 
ثم قال لصاحبه: زنه بعشرة من قومه (أي ضع الميزان وأوزنه)
فوضعوني في شيء ووضعوا عشرة رجال في شيء آخر (يعني مثل الميزان الكفتين) فوزنتهم 
 فقال له: زنه بمائة 
 فوضعوا مائة رجل فرجحتهم وطاش الميزان
قال: زنه بمائة ألف 
فوضعوا مائة ألف في كفة، فلما وضعوني في الأخرى، فرجح الميزان، وتطاير الرجال في السماء، فرأيتهم كأنهم يتساقطون عليّ..
فقال له: دعه، فوالله لو وزنته بأهل الأرض لرجحهم جميعاً. 
ثم قالوا: لا تخف يا (حبيب الله) فإنك لو تعلم ما يُراد منك؛ لقرّت عينك ثم ضموني لصدرهم وقبلوني.. ثم طاروا في السماء وها أنا أنظر إليهم يا أمي فلن يعودوا.
_____
يُحدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن حادِثة شق الصدر: 
عندما أقبلت حليمة وهي تصيح وتقول: وااا ضعيفاه، وااا وحيداه، وااا يتيماه، سمعتها الملائكة من بعيد وهي قادمة.. 
فلما قالت: وااا ضعيفاه 
يقول صلى الله عليه وسلم:
فانكبوا عليّ فقبلوا رأسي وما بين عيني، فقالوا: حبذا أنت من ضعيف! 
ثم قالت ظئري: يا وحيداه! فانكبوا عليّ فضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عينيّ، ثم قالوا: حبذا أنت من وحيد وما أنت بوحيد! إن الله معك وملائكته والمؤمنين من أهل الأرض. 
ثم قالت ظئرى: يا يتيماه، استضعفت من بين أصحابك فقتلت لضعفك، فانكبوا علي فضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني، وقالوا: حبذا أنت من يتيم، ما أكرمك على الله! لو تعلم ماذا يراد بك من الخير! 
قال: فوصلوا بي إلى شفير الوادي، فلما بصرت بي أمي - وهي ظئري - قالت: يا بني ألا أراك حياً بعد! فجاءت حتى انكبت عليّ.. صلى الله عليه وسلم. 
معنى ظئري أي (مرضعتي)
الظِّئْر: الأنثى التي تعطف على ولد غيرها أو ترضعه ويطلق على الذَّكر كذلك.
______
لماذا حادثة شق الصدر؟ 
الله عز وجل، خلق الإنسان، ويوجد مكان داخل جسده قريب من القلب، كالعَلَقة يكون فيها مثل بيت أو مكان للشيطان، ومن هذا المكان يجلس الشيطان، ويلقي وساوسه للقلب، كل إنسان فينا عنده هذه العلقة، وهي حظ الشيطان منّا، أي نصيبه، فجاءت الملائكة فأزالتها من صدر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعد للشيطان مكان ولم يعد له حظ من رسول الله.
ولو سأل أحدهم:
لماذا خلقها الله لرسوله وكان من الممكن أن يخلقه بدونها؟
لأن هذه العلقة جزء من الأجزاء الانسانية، يعني لو نقصت لنقص الكمال الإنساني، فخلقها الله تكملة لخلقه الإنساني صلى الله عليه وسلم. 
ثم نزعها منه تكرمة له واستُبدل مكانها الحكمة، ليعلم جميع الخلق كرامته عند الله، وليتأكدوا من كمال باطنه، كما تأكدوا من كمال ظاهره. 
(فلو خُلق بدونها، لم تظهر للخلق تلك الكرامة)
______
 تقول حليمة: فأخذناه وحدثنا قومنا في بني سعد فخافوا عليه من الجن والشيطان..
 وقالوا: يا حليمة.. أحضري له كاهناً يرى ما القصة؟
 تقول حليمة: فأخذنا محمداً إلى كاهن، ومحمد يقول ما لي ومال الكاهن ليس بي شيء أنا بخير، لا يريد الذهاب.. 
 ولكن لأنه صغير بالعمر غلبناه وأخذناه إلى الكاهن.
(عذراً على الإطالة)
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (20)

هذا الحبيب (20)
حليمة السعدية، الجزء الخامس
تقول حليمة: رجعنا بهِ إلى مكة، فأخذتُ أحدث آمنة وجدّه عبد المطلب عن محبتنا له وحبهُ لنا.
 (تمهد لهم الحديث في محاولة منها لإقناعهم أن يرجع معها، كم نُحب محمد وتعلقنا به، وهو أيضا يحبنا ومتعلق بنا)
هنا آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم، فهمت من كلام حليمة أنها تريد أن ترجعه معها 
فقالت آمنة: ما شأنك يا حليمة؟!
(يعني إلى أي شيء تريدين أن تصلي، أدخلي بالموضوع)
فسكتت حليمة ثم رفعت رأسها بخجل
وقالت: أحببناه يا آمنة!  
ولا نتحمل فراقه، وإنا رأينا البركة فيه، وإنا نُحب أن يبقى عندنا عامين آخرين نأمن عليه من وباء مكة.. 
(وفعلاً في ذلك الوقت بدأت تظهر أمراض بمكة بعد هلاك جيش أبرهة في حادثة الفيل، وأجساد جنوده التي تعفنت)
وظلت حليمة تقنع آمنة، فما زالت تحدثها وتقنعها، حتى وافقت آمنة 
ثم قالت آمنة: يا حليمة ألا أخبرك عن ولدي هذا؟ 
(أي هل أحدثك عن ولدي أشياء لا تعرفيها) 
يا حليمة، إحرصي عليه فإن لإبني هذا شأن.. 
(وأخذت تحدثها عن حمله وولادته، وكيف نزل ساجداً، وعن النُور الذي خرج منه) 
إحرصي عليه يا حليمة.
_____
رجعت حليمة وأخذت النبي صلى الله عليه وسلم معها إلى ديار بني سعد، ليقيم عند حليمة عامين آخرين.
تقول حليمة: ونحن في طريقنا، مررنا بركب من الحبشة، وفيهم أهل الكتاب.. 
(قافلة من الحبشة، فيهم من أهل الكتاب الذين على دين سيدنا عيسى عليه السلام، النصارى، والحبشة كانت النصرانية منتشرة فيهم)
تقول حليمة: فعرضت الصبي عليهم بغية أن أتأكد وأتعرف.. 
(حليمة رضي الله عنها، كان عقلها مشغولاً بالتفكير، ما السر الذي يحمله هذا الصبي، وخاصة ما رأته من بركته، وحديث أمه آمنة عنه، فأحبت أن تعرف من أهل الكتاب الرهبان لأن عندهم عِلماً من الكتاب)
تقول: فعرضته على راهب فيهم فقلت له: ألا ترى ولدي هذا؟!
قال الراهب: ما به؟
قلت له: إن له أموراً غريبة، أنظر إلى حمرة عينيه هذه!
قالت: فنظر فيه الراهب وأخذ يتفحصه.. 
فقال متعجباً: ما هذه الحمرة.. أيشتكي شيئاً في عينيه؟!
فقلت له: لا، هي ترافقه منذ ولادته!
ثم نظر إليه، واستمر في تفحصه 
ثم قال: ما اسمه؟
قلت له: (محمد)
 فقال وهو مندهشاً: هل ولد يتيماً؟!
تقول حليمة: فأحببت أن أصدقه الحديث 
قلت له: نعم قد ولد يتيماً
تقول فأخذ الصبيَّ يقبلّه وقال لمن معه: 
إي وربّ عيسى، إي وربّ عيسى، إنه نبي!
فأقبل مَن معه مسرعين، وأمسكوا الصبي، ثم أخذوا يقبلون رأسه، ويضمونه الى صدرهم 
ثم قالوا لها: لنأخذن هذا الغلام، فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا، فإن هذا الغلام كائن لنا وله شأن، نحن نعرف أمره..
(أصبحوا يتحايلون على حليمة، يريدون أن يأخذوه معهم الى ملك الحبشة، فلقد عرفوا أمره، وإنه نبي آخر الزمان)
تقول حليمة: فلم أكد أنفلت به منهم (يعني ما صدقت آخذه منهم وأمشي)
______

هل لاحظتم النصارى، ما كان منهم خوف على الرسول من القتل.. أما اليهود فهم أهل الأذية والقتل والغدر في الأرض، قال تعالى:
 (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ)
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (19)

هذا الحبيب (19)
حليمة السعدية، الجزء الرابع
تقول حليمة: وصلنا إلى ديار بني سعد، فلم يبق بيت في ديار بني سعد، إلا فاح منه ريح العود! 
كانت أرضنا عجفاء (أي أصابها الجفاف من قلة الماء، ناشفة، لا يوجد ربيع في الارض)
وكانت الأغنام تسرح وترجع هزيلة، ولم يدخل في بطنها شيء من طعام وليس في ضرعها اللبن.
_____
تقول حليمة: فلما قدمنا بمحمد، أصبحت أغنامي تعود وقد شبعت، وقد امتلأ ضرعها باللبن 
كنا نرى الخضرة في أفواهها، وليس في أرضنا نبته (ترجع الأغنام، وما يزال موجوداً أثر الأعشاب في فمها، والأرض قاحلة ليس فيها عرق أخضر)
فيصرخ أصحاب الأغنام بالرعاة (الرعاة الذين يعملون عندهم)
ويحكم! إسرحوا بالأغنام حيث تسرح أغنام حليمة 
ألا ترون أغنامهم! ترجع وقد شبعت والخضرة في أفواههم 
ألا تعلمون أين تسرح أغنام حليمة؟!
فيقول الرعاة: والله إنا لنسرح معاً، وترجع أغنامها معنا 
ولكن نرى أغنام حليمة، لا ترفع رؤوسها عن الأرض، وهي تأكل وتمضغ، وليس في الأرض نبتة واحدة خضراء (أغنام حليمة، تأكل من الأرض، الأرض عبارة عن رمل وحجارة، لا يوجد عشب ليُأكل، والرعاة مستغربين)
وذلك ببركته صلى الله عليه وسلم 
____
تقول حليمة: فكنا نحلب أغنامنا، ولا نهمل أهلنا
(عام جفاف، بنو سعد ليس عندهم حليب، كانت حليمة ترسل لهم بالحليب الذي عندها)
تقول: ففاض الخير كله على ديار بني سعد (ببركته صلى الله عليه وسلم)
______
هنا الناس أصبحوا يتفاءلوا بهذا الصبي اليتيم، فأصبحوا إذا مرض أحدهم أو أصابته عِلة 
تقول حليمة: يأتي إلينا، يقول: أين محمد؟ فيأخذ بيده الصغيرة، ثم يضعها على المريض، فيبرأ في حينه (على الفور، يتعافى)
 وكذلك إذا أصاب بعيرهم أو شاة شيء من المرض، يحملوا محمداً، يضعوه على ظهرها فتبرأ بإذن الله 
_____
تقول حليمة: وأخذ محمد صلى الله عليه وسلم يشب شباباً ليس كشباب الصبي 
يشب في يوم ما يشب غيره في شهر (كان يكبر بسرعة صلى الله عليه وسلم) حتى إذا بلغ عمره عاماً، وكأنه عامين.. 
فلما رأينا هذا الخير والبركة منه، وقد أصبح عمره سنتين، رغبت أن يبقى عندي بعد السنتين (لأن مدة الرضاعة سنتان)
وكنت قد وعدت أمه آمنة، أن نرجعه لها بعد عامين، فعزمت أن أرجعه لأمه وأنا عندي نية في داخلي أن أرجع محمداً معي، بعدما أستأذن أمه. 
______
التي تروي الحديث (حليمة السعدية) رضي الله عنها
أسلمت وقد أدركت نزول الوحي، وهي صحابية، ولها رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أطال الله في عمرها حتى أنها ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ودفنت بالبقيع في المدينة المنورة، بجانب عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولأن حليمة صحابية يؤخذ بحديثها، وكان الصحابة الكرام ينادونها (أم النبي)
____
 تقول رجعنا به إلى مكة فلما رأته أمه آمنة وجدّه عبد المطلب وكأنه غلام جفر (والجفر الذي يبلغ من العمر أربع سنين، عمره سنتان، ولكن اعتقدوا عمره أربع سنين)
تقول: سُرّوا بحسن التربية ونموه السريع صلى الله عليه وسلم. 
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (18)

هذا الحبيب (18)
حليمة السعدية، الجزء الثالث
فلما رأى أحبار اليهود المتواجدين في سوق عكاظ، قافلة بني سعد من بعيد وهي مُقبلة، علِموا أنها تحمل رسول آخر الزمن وخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم
فكيف عرف أحبار اليهود؟
يوجد في كتبهم، صفات نبي آخر الزمان، ومن صفاته عندهم  أنه (مظلل بالغمام، صلى الله عليه وسلم)
____
بنو سعد قادمون نحوهم، ومعهم حليمة تحمل رسول الله، أحبار اليهود جالسين في سوق عكاظ 
فلما نظر الأحبار للقافلة تأتي من بعيد، كان فوقها غمامة، والسماء كُلها لا يوجد فيها غيمة، إلا هذه الغيمة!
كانت إذا وقف الركب توقفت الغيمة فوقهم، وإذا مشوا تمشي معهم!
فنظر الأحبار الى بعضهم البعض، مندهشين 
فقال أحدهم: وربّ موسى إن هذه القافلة تحمل أحمد!
فاتفقوا على أن يعرضوا أنفسهم على القافلة على أنهم عرافين 
(تمثيلية يقومون بها على القافلة، أنهم عرافون، ما يعرف عندنا اليوم فتاحين، يقرأون الكف، ويتنبأون بالمستقبل ويقرأون الفنجان، فمن خلال هذه التمثيلية، يستطيعون أن يتعرفوا من خلالها، على أحمد وله علاماته عندهم)
فعرضوا أنفسهم على القافلة وكانوا أكثر من حَبْر، فتهافت الناس عليهم، 
حليمة السعدية، أحبت مثل باقي النساء معها، أن ترى ما هو سر هذا المولود الذي تحمله، فقد أحست هي وزوجها ببركته صلى الله عليه وسلم 
وكان عندهم جهل في هذه الأمور.
______
فقالت حليمة لأحدهم: أُريد أن أُريك هذا المولود 
فقال لها الحبر: أين ولدك؟
فعرضت عليهم النبي صلى الله عليه وسلم 
فلما نظروا إليه، وأخذوا يتفحصون صِفاته، ارتسمت في وجوههم الدهشة، وأخذوا ينظرون لبعضهم البعض ثم ينظرون الى النبي صلى الله عليه وسلم 
فقالوا لها: ما هذه الحمرة في عينيه؟!
(وكان في بياض عينيهِ صلى الله عليه وسلم حُمرة لا تفارقه، وهي نوع من أنواع الجمال، عروق رقيقة حمراء في بياض عيونه)
فقالت حليمة: لا أدري، هي في عينيه من ساعة ولادته!
فقالوا لها: أيتيمٌ هو؟
هنا حليمة أحست بسؤالهم ودهشتهم، بشيء غريب، خوُّفها منهم 
فقالت حليمة: لا، ليس يتيماً، وهذا أبوه، وأشارت الى أبي كبشة 
فقال واحد من الأحبار اليهود للآخر: أتراه هو؟
فأجابه الآخر: إي وربِ موسى وعيسى هو!
قال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ)
ثم صرخ في الركب (أي بقبيلة بني سعد، قوم حليمة)
(أيها الناس أقتلوا هذا الصبي، فإنه إن بلغ مبلغ الرجال ليسفهن أحلامكم، وليبدلنّ دينكم، وليكفرنّ من مضى من آبائكم، ويلٌّ للعرب ويلٌ للعرب..)
فصرخت حليمة في وجهه 
وقالت: ويلٌ لك أنت، أطلب لنفسك من يقتلك، أما نحن فلا نقتل ولدنا!
فقال الآخر: ألم تقل لك أنه ليس يتيماً 
فقال له: نعم، لوكان يتيماً لقتلته الآن 
فلما سمعت حليمة قولهم، ضمته لصدرِها وهربت به بين الناس واختفت عنهم، وهي خائفة أن يكتشفوا أنه يتيم. 
وتأكدت حليمة أن هذا الصبي تدور حوله أمور غير عادية.
____
 تقول حليمة: 
وصلنا إلى ديار بني سعد، فما بقي بيت من ديار بني سعد إلا فاح منه ريح العود، وكنا نلاحظ هذا الشيء كل يوم، حتى كل ديار بني سعد لاحظت هذا الشيء.
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (17)

هذا الحبيب (17)
(حليمة السعدية، الجزء الثاني)
أخذت حليمة النبي صلى الله عليه وسلم، ورجعت الى رحلها.. 
تقول: وكنت قد أتيت الى مكة على أتان (أي أنثى الحمار) كانت هزيلة ضعيفة، وكان معنا ناقة، والله لقد جف ضرعها.
فكانت تركب على هذه الحمارة وهم ذاهبون لمكة..
تقول حليمة: فكانوا يسبقوني، وأتاني (أنثى الحمار) التي أركبها لا تستطيع أن تلحق بهم!
فيقولون: يا حليمة، يا حليمة قد أعييتِ الركب (أي أسرعي قليلاً، فقد تأخرنا جميعاً، تعبنا منك بسبب سيرك البطيء)
تقول حليمة: فلما أخذت محمداً، ورجعت به الى راحلتي، عرضت عليه ثديي، وما كان في صدري ما يشبع إبني (عبد الله أخو النبي في الرضاعة، كان لا يرتوي من حليب أمه حليمة) فلا ننام الليل من بكاءه، فلما وضعت محمداً في حجري، وعرضت عليه ثديي الأيمن، اهتز صدري وانفجر فيه اللبن.
فشرب حتى ارتوى (صلى الله عليه وسلم) ففرحتُ، فأعطيته ثديي الآخر فلم يأخذه (وكأن الله عز وجل، ألهمه أن له شريك في هذا اللبن، فأخذ واحداً وترك الآخر لأخيه عبد الله، لأنه صلى الله عليه وسلم جاء بالعدل، فإن لم يعدل محمد رسول الله، فمن يعدل؟)
تقول حليمة: فلم يأخذ الثاني طوال سنتين. 
قالت: فوضعت إبني على الثاني، فرضع وشبع.
____
ثم قام زوجي أبو كبشة الى الناقة (الناقة التي معهم ضرعها قد نشف، ليس فيها حليب)
فقام إليها وإذا ضرعها قد امتلأ باللبن! 
 فقال أبو كبشة لحليمة وهو يضحك من الفرح: يا حليمة؛ ألم أقل لك إن هذا الصبي بركة؟
فحلبها وشربنا ونمنا بخير ليلة..
في الصباح، تجهز القوم للسفر ليعودوا لديارهم، ديار بني سعد (المسافة من مكة لديار بني سعد، حوالي 150 كم، منطقة جبلية ومرتفعة عن سطح البحر، جوها لطيف)
تقول حليمة: ركبت الأتان (الحمارة) والتي كانت من النحافة لدرجة أن أقدامها تضرب بعضها ببعض عندما تمشي لدرجت أنها جرحت نفسها.. 
 تقول: فلما ركبت وحملت محمداً معي، إذا بها انطلقت وكأنها تسابق الركب! 
وصاحباتي يقولون: يا حليمة، يا حليمة، أتعبتينا في طريقنا الى مكة، ونحن ننتظرك لتلحقي بنا 
والآن أتعبتينا ونحن نلحق بك. 
أليست هذه أتانك (الحمارة) التي أتيتِ بها من ديارنا؟
فترد عليهم حليمة: بلى هي! 
يقولون لها: قولي لنا، ما شأنها ما الذي حلّ بها (أي ما قصتها)
تقول: لا أدري 
فيقولون لها: فعلاً إن أمرها لعجيب (كانت ضعيفة جداً؛ ما الذي جعلها بهذه القوة)
(ذلك ببركة نبيكم وحبيبكم محمد صلى الله عليه وسلم)
______
حتى اقتربوا من سوق عكاظ (كانت قبائل العرب تجتمع في هذا السوق للتجارة، وتعرض بضاعتها، وتبدأ كل قبيلة تلقي الشعر والقصائد بمدح قبائلهم ويتفاخروا، فيعكظ كل واحد على الآخر بالشعر، أي يتفاخر، لذلك كان هذا سبب تسميته سوق عكاظ)
طبعاً كل منطقة تجارية، من الذي يتواجد فيها دائماً؟
(اليهود طبعاً، فاليهود إذا بحثت عنهم، تجدهم عند المال، هم أهل المادة، سياستهم مسك العصب الرئيسي للاقتصاد)
لما نظر أحبار اليهود لقافلة بني سعد قادمة من بعيد، عرفوا أن هذه القافلة تحمل رسول الله!
كيف عرفوا؟

هذا الحبيب (16)

هذا الحبيب (16)

(حليمة السعدية الجزء الأول)

صرف الله عز وجل، كل المراضع عنه صلى الله عليه وسلم، إلا (حليمة السعدية)

تقول حليمة:

والله ما بقي من صواحبي (يعني صاحباتي) امرأة إلا أخذت رضيعاً غيره، وأنا لم أجد غيره، فكرهت أن أرجع من غير رضيع (حليمة السعدية، وزوجها أبو كبشة، الذي يقرأ السيرة ويتعمق فيها، يدرك أنهما كانا طيبين، وحظهم في الدنيا قليل، ولكن الله إذا أعطى أدهش)

_____

فعزمت حليمة السعدية على أخذ هذا اليتيم، ولم تكن رأته بعد

تقول حليمة: فذهبت الى عبد المطلب، فاستقبلني

قال: من أنتِ؟

قلت: حليمة السعدية

فقال: بخٍ بخ، سعد وحلم، خصلتان إذا اجتمعتا، ففيهما خير الدهر وعز الأبد (تفاءل باسمها)

يا حليمة عندي غلام يتيم، وقد عرضتهُ على نساء بني سعد فأبين أن يقبلن، فهل لك أن تُرضعيه، فعسى أن تسعدي به؟

فقلت له: حتى أسال صاحبي (أي زوجها، أبو كبشة)

تقول فرجعت فسألت زوجي، فتهلل وجهه وأشرق، وكأن الله قذف في قلبه الفرح والسرور

فقال لي: نعم يا حليمة خذيه، ماذا تنتظرين؟

فرجعت الى عبد المطلب فوجدته جالساً ينتظرني، فاستهل وجهه فرحاً عندما رآني.

ثم أخذني وأدخلني على آمنة، فرحبت بي وقالت: أهلاً وسهلاً، تفضلي بالدخول.

تقول حليمة: فدخلت في البيت الذي فيه محمد..

فلما نظرت إليه!

(فإذا هو مُغطى في صوف، أبيض من اللبن، يفوح منه المسك، وتحته حريرة خضراء نائمٌ على ظهره، فأشفقت أن أوقظه لحسنه وجماله)

تقول حليمة: فاقتربت منه رويداً رويداً، ووضعت يدي على صدره..

فلما وضعت يدي، تبسم، ثم فتح عينيه، ونظر إليّ،

فخرج من عينيه نور دخل عنان السماء، فما كان مني إلا أن حملته وضممته وقبّلته، ثم أخذته ورجعت الى رحلي.

______

 تقول حليمة: فحملته وكان معي أخوه (أي تقصد ابنها الذي ولدته واسمه عبد الله، أخو النبي صلى الله عليه وسلم، من الرضاعة)

ثم.. أعطيت إبني لأبيه أبا كبشة (أي زوجها)

وكنت قد أتيت الى مكة على أتان (أي انثى الحمار) كانت هزيلة ضعيفة، وكان معنا ناقة، واللهِ لقد جف ضرعها  (حتى الناقة التي مع حليمة ليس فيها حليب، وكانت سنة جفاف)

يتبع إن شاء الله..


هذا الحبيب (15)

هذا الحبيب (15)

إلتماس المراضع له صلى الله عليه وسلم

تشرف الكون بسيدنا {محمد صلى الله عليه وسلم} وأرضعته أمه سبع أيام على التوالي.. ثم التمس له المراضع.

____

لماذا التماس المراضع؟

كان من عادة قريش أصحاب السيادة (أي الذين يملكون المال)

يحبون أن يتربى أبناؤهم خارج مكة (تقريباً مثل أيامنا هذه، الذي يملك المال، يضع أولاده في أفضل، مدرسة خاصة)

فلم يكن يسترضع في مكة كلها، إلا الأغنياء وأصحاب السيادة.

وذلك لثلاثة أسباب:

(1) يخافون على أولادهم من وباء مكة في مواسم الحجيج.

(كان يأتي ناس كثير للحج، والتجارة من شتى البلاد، ومنهم من يحمل الأمراض المعدية معه، فيخافون على أطفالهم الرضع، من انتقال الأمراض، فالكبار يستطيعون التحمل، أم الرضع فلا)

فكانوا يحبون أن يربى الولد في أول عمره، في البادية عند الهواء النظيف والبيئة النقية، وعندما يكبر ويشتد عوده، يرجع إلى أهله.

(2) اللغة العربية في مكة لم تكن بتلك الفصاحة المطلوبة.

(كان أهل البادية في ذلك الزمن مشهورون بفصاحة اللسان، فكانت اللغة العربية عندهم أكثر فصاحة) فيتعلم الطفل الصغير، فصاحة اللسان من صغره.

 (وجاء زمن أصبح أكثر اهتمامنا تعلم لغة الغرب، الذي هو فعل جيد لا أحد يُنكره، فمن تعلم لغة قومٍ أمن مكرهم، ولكن لا يعني ذلك أن نهمل لغتنا لغة القران، ونجعلها وراء ظهورنا)

(3)  أسياد مكة كانوا يحبون من الزوجة أن تتفرغ لزوجها وتتزين له، لأنه من الأشراف ولا تنشغل عن زوجها بالرضاعة والحضانة.

وربما يسأل أحدهم: إذا كان ذلك أحد الأسباب، فالنبي صلى الله عليه وسلم، ولد يتيماً، ولا يوجد لآمنة زوج، لكي تتفرغ له؟

(السبب لأن جده عبد المطلب، لم يرض بنقص قدر هذا المولود اليتيم، أمام بقية الأولاد في مكة، وأراد أن يجبر خاطر آمنة وقلبها، ولو كان يتيماً يا آمنة، فإن محمداً، سيسترضع مثله مثل أبناء الأشراف ولن ينقص عليه شيء صلى الله عليه وسلم)

_____

(المراضع:) هم نساء، كانوا يأتون من البادية لمكة مع أزواجهم في العام إما مرة أو مرتين.

فجاء قوم من بني سعد (هم أهل حليمة السعدية مرضعة الحبيب صلى الله عليه وسلم)

يريدون رؤية أطفال رضع في مكة، من يطلب مرضعة حاضنة، يطوفون بين أسياد قريش، ويسألون: هل منكم من يريد مرضعة؟

هل منكم من يحب أن نحتضن ولده؟

فلم يبق منهم مرضعة إلا عُرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم

فيسألون: من أبو هذا الصبي (يريدون رؤية أباه، فالأب هو الذي سيدفع لهم المال)

فيقال لهم: أبوه عبد الله، مات وأمه حامل به!

فتتغير ملامحهم ورغبتهم في حضانته، ويقولون: لا رغبة لنا، لعلكم تجدون غيرنا، ثم ينصرفوا

(لأنهم يريدون الأجر والكرم من والد الصبي، صحيح أن جده عبد المطلب شيخ مكة، ولكن المعروف لدى الجميع أن الكرم الأكثر يكون من الأب)

ومهما كانت الأسباب..

إنها إرادة الله عز وجل، أليس هذا محمد صلى الله عليه وسلم {حبيب الله}، ألم يخبره   بمنزلته عند رب العالمين {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}

نترك الأسباب، وننظر الى إرادة المسبب، فالله عز وجل سبحانه، صرف كل المراضع عنه، إلا حليمة السعدية!

يتبع بإذن الله..


هذا الحبيب (14)

هذا الحبيب (14)
الأحبار والرهبان، يوم مولده صلى الله عليه وسلم
حملهُ عبد المطلب، حتى وصل الكعبة، وفُتِح لهُ بابها، ودخل إليها وهو يحمله، ثم خرج وطاف فيها، وهو مسرور ويردد ويقول: 
(الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام، أعيذه بالبيت ذي الأركان من كل حاسد)
ثم رجع الى آمنة، أعطاها إياه 
وقال لها: إحرصي عليه 
ثم انطلق عبد المطلب مسرعاً الى الراهب النصراني (عيص) يستوثق منه.
_____
أهل الكتاب، الأحبار والرهبان، في شهر مولده كلهم كانوا منتظرين مولده، وعندهم علامات ظهور نجمه وصفاته، وأن مولده في مكة 
فلم يكن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم مفاجأة.. بل علم به الكثير من أهل الكتاب 
الرهبان: (علماء الدين النصارى)
الأحبار: (رجال الدين اليهود)
عندنا في الإسلام، لا يوجد شيء اسمه رجال دين
فليس منا إلا عالم أو متعلم 
ليس عندنا ترتيب هرمي في الإسلام يشبه الرتب العسكرية
في الإسلام (رُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه)
عندنا في الإسلام (بدويّ يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جالس على الأرض مع الناس فيسأل: أيّكم محمد؟)
في الإسلام ليس هناك واسطة بينك وبين الله 
(وإذا سألك عبادي عَني فإني قريب أجيب دَعوة الداعِ إذا دَعان)
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فذهب عبد المطلب يستوثق من الراهب النصراني (عيص) عن هذا المولود، لأنه كان يرجو أن يكون لهذا المولود شأن عظيم.
من هو الراهب عيص؟
رجل جاء من بلاد الشام الى مكة، راهب من النصارى، وسكن في طرف مكة في صومعة، واسمه (عيص)، وكان هو المرجع الوحيد في علم النصارى في ذلك الوقت.
عندما اقترب مولد النبي صلى الله عليه وسلم، جاء لمكة ينتظر مولده.
سكن عيص في أطراف مكة، فكان يدخل مكة كل فترة من الزمن، ويجلس في أندية قريش 
(قلنا إن الأندية كانت حول الكعبة، مجالس يجلس فيها الرجال، فيها يجتمعون ويتحدثون)
فيدخل الراهب عيص في أندية قريش، وأسواقها ويسأل..
يقول: يا معشر قريش، هل ولد فيكم مولود؟
وله من الصفات كذا وكذا!
فيقولون له: يا عيص، الذي تصفه لم يولد بعد!
فيقول لهم عيص: ورب موسى وعيسى، ما تركتُ بلاد الخمر والخمير (يقصد بلاد الشام وخيراتها) وجئت هنا، إلا في طلب هذا المولود، فإن هذا زمن خروجه.. 
يولد في بلدكم (أي مكة)، هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وبه تُختم الشرائع 
من أطاعه فقد اهتدى، ومن عصاه فقد خاب وخسر. 
(فكان كل فترة يمر ويسألهم، فيقولون له ولد فلان وفلان، ويعطونه أوصافهم، فيقول لهم: لا لا ليس هو)
_____
ففي اول يوم من مولدهِ صلى الله عليه وسلم وفي صبيحة ذلك اليوم، لما ولد صلى الله عليه وسلم، وأخذه جده وطاف به بالكعبة ورأى صفات المولود، ورجع أعطاه لأمه، وأوصاها عليه، هنا تذكر عبد المطلب الراهب عيص فأراد أن يذهب إليه ويستوثق منه الخبر .
_____
انطلق عبد المطلب مسرعاً، الى صومعة عيص، فعندما وصل للصومعة، أخذ ينادي عيص.. عيص 
فقال له عيص: كن أباه يا شيخ مكة..؟ 
فقال عبد المطلب مستغرباً: من؟!
قال عيص: لقد ولد الذي كنت قد حدثتكم عنه، وربِ موسى وعيسى إنه وجع يشتكي ثلاثة أيام ثم يعافى (أي هذا المولود قد أصابه بعض المرض)
احفظ لسانك يا عبد المطلب (أي لا تتكلم عنه لأحد)
فإنه لا يحسد حسده أحد (أي إذا علموا عنه شيئاً، فالناس الحاقدة ستسعى لأذيته ، وإذا وقع في مصيبة يتشمتون به)
وإياك واليهود، فيبغون عليه، كما بغوا على الانبياء قبله (أي اليهود معروفون أنهم قتلة الانبياء، فإذا سمعوا به اليهود قتلوه، كما قتلوا الانبياء قبله)
فقال عبد المطلب: يا عيص! لقد ولد لإبني =عبد الله المتوفى قبل أشهر ولد)
فقال عيص: هو ذاك يا عبد المطلب، هو ذاك، وربِّ موسى وعيسى 
 إنا لنجد في كتبنا أنه يولدُ يتيماً، فاحفظ لسانك واحرص عليه.
____
توجد أخبار كثيرة عن الأحبار اليهود والرهبان من النصارى بمعرفتهم، في يوم مولدهِ وصفاته ولكن نكتفي بقصة الراهب (عيص) ويكفينا قوله تعالى فيهم: 
(الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (13)

هذا الحبيب (13)
يوم تشريفه لهذا الوجود، صلى الله عليه وسلم
_____
فلما وصل عبد المطلب، ونظر للرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا به كالبدر، ثم نظر إلى صفاتهِ.. 
(وكما قلنا من قبل أنه كان يسمع من أهل الكتاب، في سفره، عن صفات نبي آخر الأمة)
فلما رآه، هنا أيقن أن هذا المولود، سيكون نبي هذه الأمة..
فحمله عبد المطلب، ورفعه للأعلى، يريد أن يعلن اسمه، 
قال: يا آمنة 
فرفعت آمنة يدها *(بمعنى انتظر يا شيخ مكة، لا تُعلن اسمه)
قالت آمنة: يا شيخ مكة، لقد ولد ... لا كما يولد الصبيان 
ولد ساجداً إلى الأرض، معتمداً على ركبتيه ويديه، ينظر الى السماء، مختوناً، يفيح منه المسك 
وقد هتف لي هاتف مرة أخرى عند ولادته، يا آمنة سميه (محمد) 
فابتسم عبد المطلب مندهشاً مسروراً، وارتسمت السعادة على وجهه 
قال: أي ورب البيت، فلقد عزمت أن أسميه (محمداً)
قالت: ولِم يا شيخ مكة، عزمت على هذا الاسم؟!
قال: يا آمنة، لقد رأيتُ رؤيا في منامي، فسألت أهل الرؤى عنها فقالوا لي: يخرج من صُلبك رجلٌ، يطيعهُ أهل السماء والأرض، فإني أُحب أن أسميه محمداً رجاء (أن يحمده من في السماء وأن يحمده الناس على الأرض)
فأعلن اسمه محمد صلى الله عليه وسلم
_____
فدخلت ثويبة (ثويبة كانت جارية لأبي لهب، وكانت تسكن قريبة من بيت آمنة)
 فلما سمعت الخبر، انطلقت على الفور مسرعة وهي تنادي، يا أبا لهب، يا أبا لهب 
(كان لقبهُ أبو لهب، قبل ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم، اسمه الحقيقي (عبدُ العُزى) ولقبه أبو لهب، لأنه كان شديد الجمال، وكانوا يرون وجهه كأنه طلعة الشمس ولهبها، ولكن لم ينفعه جمالهُ لعدم إيمانهِ بالله)
فقال أبو لهب: ويْحك يا جارية، ما الأمر؟!
قالت: ولِدَ لأخيك عبد الله مولود 
قال: يا جارية أحقاً ما تقولين؟!
قالت: نعم، إي وربّ البيت، وقد سماهُ أبوك (أي عبد المطلب) سماه (محمداً)
فقال لها من شدة فرحه، وأنتِ حرةٌ طليقة يا ثويبة!
(فأعتقها وأصبحت حرة)
______
لا أحد يستطيع وصف فرح ثويبة في تلك اللحظة، إلا أنها من شدة فرحها بالعتق، انطلقت مسرعة إلى آمنة، وقالت: يا آمنة؛ أعتقني أبو لهب بسبب هذا الصبي 
 ثم حملته وضمته إلى صدرها (صلى الله عليه وسلم)
 ثم قالت يا آمنة هل تسمحي لي أن أرضعه؟ فسمحت لها
فأرضعته ثويبة، فكان أولُ لبن دخل فمه صلى الله عليه وسلم لبن ثويبة.
_____
فأول مرضعة للرسول صلى الله عليه وسلم كانت.. ثويبة 
 أرضعته من لبن ابنها (مسروح) فمسروح أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة 
وأرضعت ثويبة أيضاً سيد الشهداء (حمزة بن عبد المطلب) عم النبي صلى الله عليه وسلم
 فكان حمزة، عم النبي وأخو النبي من الرضاعة.
كان قريباً في العمر منه في سن الرضاعة، وكان حمزة قد سبق الرسول بسنتين من العمر 
كما أنه قريب له من جهة الأم، فأمه هالة بنت وهيب، ابنة عم آمنة أم الرسول صلى الله عليه وسلم.
لذلك عندما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم الزواج من ابنة حمزة، قال (لا تحل لي، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وهي ابنة أخي من الرضاعة)
______
ثم أرضعته أمه آمنة (أرضعته أمه سبعة أيام على التوالي.. وليس كما يقول بعض الجاهلين، رفض أن يرضع من أمه فهذا الكلام مكذوب..) 
أرضعته أمه سبعة أيام لبن اللِبان.. (حليب اللبان تعرفه النساء، يعطي المناعة للطفل والصحة)
ثم أرضعته (حليمة السعدية) التي سيأتي ذكرها بالتفصيل 
____
وبعد أن أعلن عبد المطلب عن اسم المولود وسماه (محمد) صلى الله عليه وسلم، حمله وانطلق به باتجاه الكعبة، وهو مسرور مشرق الوجه قد فرح فرحاً لم يفرح مثلهُ من قبل..
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (12)

هذا الحبيب (12)
❤ مولد الحبيب صلى الله عليه وسلم ❤
______
ولد صلى الله عليه وسلم، وتشرف هذا الكون، بأطهر مخلوق وأشرفهم عند ربِ العالمين 
في صباح يوم الإثنين {ربيع الأول}
ما الحكمة في أنه ولد في شهر الربيع؟
لماذا لم يولد في رمضان وهو أشرف الشهور؟
ولماذا لم يولد في الأشهر الحرم؟
ولماذا لم يولد يوم الجمعة؟
{لأن الشهور والأيام هي التي تتشرف بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يتشرف هو بالأيام}
فلو كانت ولادته في رمضان أو الأشهر الحرم لقال الناس: بورك فيه بفضل تلك الأيام 
[ولكن رسولنا صلى الله عليه وسلم أشرف من تلك الأيام، فالأيام والشهور هي التي تتشرف في ولادته، لذلك كان شهر ربيع الأول من الأشهر المباركة] حتى عندما يُذكر اسم الربيع، تطمئن القلوب والنفوس له.
_____
كانت ولادته، صلى الله عليه وسلم، أول ساعة من النهار 
[قالوا عند الفجر، والبعض قال عند الضحى أول ما تظهر الشمس]
آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم، هي التي ستخبرنا ما حدث معها عند الولادة، عن طريق الصحابية الجليلة {شفاء} رضي الله عنها
[شفاء هي أم الصحابي الجليل (عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنه، وكانت من الأوائل الذين أسلموا، وهي القابلة التي وقفت مع آمنة أثناء الولادة]
_____
تقول آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم: 
أخذني ما يأخذ النساء [تقصد الطلق]
ولم يكن عندي أحد، ولم يعلم بي من أحد [كانت وحيدة في البيت] 
تقول: فسمعت جبّةً عظيمة [مثل شيء ضخم وقع على الأرض وأصدر صوتاً عظيماً]
فخِفت، فسمعت صوتاً بعده أكبر من الذي قبله، فزاد خوفي
ثم رأيت نوراً في المكان خرج منه كجناح أبيض 
 ورأيت كأن رجالاً قد وقفوا في الهواء وبأيديهم أباريق من فضة 
فأخذني المخاض [بدأت الولادة]
فخرج مني نور أضاءت له قصور الشام 
فكشف الله عن بصري فرأيت مشارق الأرض ومغاربها 
فدخلت عليها {شفاء} رضي الله عنها
تقول شفاء: فنزل صلى الله عليه وسلم من أمه لا كما ينزل الصبية [شفاء عندها خبرة، فهي التي كانت تولّد نساء مكة، فهي تعرف أن المولد عندما ينزل، ينزل من رأسه للأسفل]
تقول شفاء: نزل معتمداً على ركبتيه وكفيه، ساجداً ينظر بطرف عينه للسماء كالمتضرع المبتهل لله 
ثم 
تقول شفاء: فحملته، ونظرتُ الى وجهه، وإذا به كالقمر ليلة البدر يتلألأ نوراً
وريحه ريح كالمسك يسطع منه، فأردت أن أصنع له ما يُصنع للمولود، فإذا به لا يحتاج لشيء، مقطوع السرة..
[أرادت شفاء أن تقطع الحبل السري، وتنظفه مثل أي مولود] 
تقول شفاء: كان مختوناً [مطهر طهور الأطفال]
مختوناً، نظيفاً مطيباً، ريحه المسك، مكحل العيون 
_____
تقول شفاء: فما كان مني إلا أن ألبسته ثيابه وأعطيته لأمه 
[لأنه ليس بحاجة لشيء صلى الله عليه وسلم]
يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم عن نفسه: 
{إِنِّي دَعْوَة أَبِي إِبْرَاهِيم، وَبِشَارَة عِيسَى بِي، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ}
____
وُلد {المصطفى صلى الله عليه وسلم وتشرف الكون بولادته}
وأرسلت آمنة الى جده عبد المطلب، على الفور وكان عند الكعبة، أنه قد ولد لك مولود فتعال فانظر إليه، فلم سمع الخبرَ عبدُ المطلب، انطلق مسرعاً إليها مسروراً مندهشاً تغمره السعادة، 
ولد لابني عبدُ الله الذي توفى قبل شهور مولود، 
فلما وصل عبد المطلب ونظر للرسول صلى الله عليه وسلم..
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (11)

هذا الحبيب (11)
حادثة أصحاب الفيل، الجزء الثاني
جهز أبرهة جيشه، وانطلق به في اتجاه الكعبة، وكان من تجهيزات هذا الجيش (الفيلة والخيل والجمال)
تقدم أبرهة بجنده، وكان يركب على فيل عظيم، وأمر جنده أن يتبعوه.
كان الطريق الى مكة طويلاً، فكان كلما مر على قبيلة من قبائل العرب، بعث فرقة من جنده وأغاروا عليها، ينهب أموالهم وأغنامهم وإبلها (ليطعم جيشه الضخم، في الطريق)
بعض القبائل عندما سمعت بمسير أبرهة وجيشه، خافوا وهربوا وتركوا ديارهم، 
بعض العرب حاولوا قتاله، ولكنهم فشلوا، كان جيشاً قوياً ومنظماً..
وطبعا كحال أي زمان ومكان (بعضهم ساعدوه لينالوا رضاه)
_____
حتى وصل الى منطقة قريبة من مكة، فأقام فيها 
ثم أرسل فرقة من جيشه، فنهبت الإبل والأغنام لقريش، التي كانت ترعى في الجبال والشعاب 
(من ضمنها، إبلاً لعبد المطلب، جد الحبيب صلى الله عليه وسلم)
فلما علم أهل مكة بالأمر، اجتمعوا للتشاور، وكان الخوف الشديد يملأ بيوت مكة 
قالوا: لا طاقة لنا بأبرهة وجيشه (أهل مكة ليس عندهم جيش منظم ومدرب، والذي زاد خوفهم أكثر الفيلة الضخمة، التي تحمل الجنود)
ثم بعث أبرهة، رسولاً من عنده لأهل مكة، قال له: اذهب إليهم، واسأل عن سيد هذا البلد وقل له:
 (إن الملك يقول لك، إنه لم يأتِ لحربكم، وإنما لهدم هذا البيت، فلا تتعرضوا لنا للقتال، وأخلوا لنا المكان كي نهدم هذا البيت، فإن قالوا لك أنهم لا يريدون القتال، فأحضر لي سيدهم أتشاور معه)
فدخل رسول أبرهة مكة، وسأل عن سيد قريش 
قالوا له: عبد المطلب سيد مكة وشيخها 
فحضر عبد المطلب، فقال له الرسول ما أمره به أبرهة 
فقال عبد المطلب: واللهِ لا نريد حربه، وليس عندنا طاقة لحربه ولكن، هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم، فإن أراد الله منع أبرهة من بيته وحرمه منعه، وإن أراد أن يخلي بينه وبين بيته، فنحن لا طاقة لنا بقتال أبرهة.
فقال له الرسول: انطلق معي يا شيخ مكة، فالملك يريد مقابلتك.
_____
فذهب عبد المطلب لمقابلة أبرهة، فاستأذن للدخول عليه 
قال أبرهة: من هذا الذي يطلب الدخول؟
قالوا له: هذا عبد المطلب شيخ مكة، هو الذي يطعم الناس والطير والسباع، من كرمه وجوده، ويؤمّن الحجيج ويسقي الماء (فأعجب أبرهة بخصال عبد المطلب) 
فلما دخل عبد المطلب، وكان رجلاً طويلاً وعظيماً له هيبة وجمال. 
فلما رآه أبرهة، وثب واقفاً، ورحب به، وكان من عادة أبرهة يجلس على سرير ملكه، والناس تجلس تحته، فأراد أن يُجلس عبد المطلب بجانبه لشدة هيبته، وكره أن تراهُ حاشيته وهو يجلسه بجانبه.. 
نزل أبرهة عن سريره، وجلس على البساط وأجلسه معه الى جانبه.. 
ثم قال أبرهة لترجمانه‏:‏‏‏ قل له‏:‏‏‏ حاجتك‏‏‏؟‏‏‏ 
فقال له ذلك الترجمان، فقال‏‏‏:‏‏‏ حاجتي أن يرد عليَّ الملك مائتي بعير أصابها لي، 
فلما قال له ذلك، قال أبرهة لترجمانه‏‏‏:‏‏‏ قل له‏‏‏:‏‏‏ قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئتُ لهدمه، ولا تكلمني فيه‏‏‏!‏‏‏ 
قال له عبد المطلب‏‏‏:‏‏‏ إني أنا رب الإبل (أي صاحبها) وإن للبيت رباً سيحميه
قال ‏‏‏أبرهة:‏‏‏ ما كان ليمتنع مني (أي لا يستطيع رب البيت أن يقف بوجهي)
قال عبد المطلب له‏‏‏:‏‏‏ أنت وذاك (بمعنى أنت حر)
فأعاد له أبرهة الإبل، وأخذ يضحك ويقول: للبيت رب يحميه، للبيت رب يحميه، يضحك. 
______ 
رجع عبد المطلب لمكة واجتمع بقومه
 قالت له قريش: ما الحيلة يا شيخ مكة؟ (ما هو الحل)
 قال: لا حيلة لنا، لا نستطيع رد أبرهة ولكن الله يستطيع، فأصعدوا إلى رؤوس الجبال ولا تقاتلوا واتركوه هو ورب البيت.
ثم ذهب عبد المطلب للكعبة وأخذ بحلقة باب الكعبة وقال: إن المرء منا ليحمي رحله.. اللهم فاحمِ بيتك، دعا الله وهز الحلقة ثم قال لقومه اصعدوا إلى الجبال وانظروا ما يكون بين أبرهة ورب البيت، 
صعدوا وأخذوا يترقبون وينظرون.
مكة تترقب وكل العرب في الجزيرة العربية تنتظر أخبار أبرهة وهدمه للكعبة.. 
______
تجهز أبرهة هو وجنده لدخول مكة وهدم (الكعبة)
فلما وصل أبرهة للكعبة، وكان يركب على أعظم وأكبر فيل في الحبشة.. 
هذا الفيل كان إذا تقدم، تقدمت خلفه كل الفيلة، وإذا برك تبرك كل الفيلة، كانت الفيلة مدربة على إتباعه. 
فلما وصل هذا الفيل ورأى الكعبة، برك وبركت خلفه كل الفيلة 
فأداروا وجهه الى جهة اليمن فقام يجري وقامت كل الفيلة خلفه تتبعه، فوجهوه للكعبة فبرك للأرض ولم يتحرك.. 
فأمرهم أبرهة بضربه بالحديد فضربوه، فأبى الحركة، 
  فوجهوه راجعاً إلى اليمن، فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك. ‏‏‏
قال أبرهة: أسقوه الخمر كي يفقد عقله، لعله استجاب. 
فأسقوه الخمر ولكن من غير فائدة. 
فاشتعل أبرهة غضباً من الفيل وسلَّ سيفه وطعن الفيل بين عينيه فأراده قتيلاً
_____
وفجأة شعروا، بأشعة الشمس تنحجب..
نظروا فوقهم، وإذ هي طيور كالغمام الممطر قد حجبت ضوء الشمس من كثرتها، 
جاء أمر الله العلي القدير، جاء أمر مالك الملك 
(أيحسب أن لن يقدر عليه أحد)
طيور أبابيل (أبابيل: أسراب ضخمة من الطيور يلحق بعضها بعضا) 
يقول أهل مكة عن هذه الطيور: (لم نر مثلها من قبل ولا بعد، رؤوسها تشبه رؤوس السباع)
وكان كل طير يحمل ثلاثة أحجار: في منقاره حجر، وفي رجليه حجرين بحجم حبة العدس.. 
فجاءت حتى وقفت على رءوسهم، ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها.. 
فوقعت الحجارة عليهم، فكانت تنزل على رأس الرجل تخرج من دبره.. 
وبعث الله ريحاً شديدة فزادتها شدة.
 حتى جعلهم ربنا كما قال (كعصف مأكول) أي القمح لمّا تستخرج الحبة من البذرة منه وتتناثر القشرة هنا وهناك، فكل رجل كان يسقط عليه حجر يتناثر لحمه عن عظمه والدماء تسيل منه حتى يهلك.
حتى من هرب من الجند وقد أصابه الحجر كان على الطريق تتساقط أعضاؤه عضواً عضواً، حتى أصبحوا كابن الفرخ (الطير الصغير ليس له ريش)
هكذا حمى الله بيته (للبيت ربٌ يحميه)  
وكان بين حادثة الفيل ومولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم خمسون يوماً.. 
حمى الله البيت استعداداً لهذا المولود، ورجعت قريش وقد عرفوا عظمة الله وعظمة هذا البيت.
 وهنا أخذ الكون كله يستعد ويتحضر لاستقبال هذا النور النبوي المحمدي صلى الله عليه وسلم 
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (10)

هذا الحبيب (10)
حادثة أصحاب الفيل، الجزء الأول
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}
____
عندما استولى ملك الحبشة على أرض اليمن ولّى عليها رجلاً من الأحباش حاكماً عليها، اسمه (أبرهة الأشرم)
 (الأشرم لقب له، كان أبرهة رجلاً.. قصير وناصح، تبارز يوماً مع رجل ضخم، فضربه الرجل بالحربة على جبهته فشرم حاجبه، وأنفه، وعينه، وشفته، أي جرحها) لذلك سُمي أبرهة الأشرم 
فكان (أبرهة حاكم لليمن) وله جيش قوي، وبما أنه حاكم جديد على هذا البلد، ولا يعرف طبيعة أهلها استغرب عندما رأى كثيراً من أهل اليمن يشدون الرحال الى مكة في موسم الحج، فسأل أتباعه ما ذاك؟ 
قالوا له: يحجون 
قال لهم: والى أي شيء يحجون؟
قالوا له: الى الكعبة 
قال: وماهي الكعبة؟
قالوا: هي بيت يعتقد العرب أنه بيت الله في الأرض، بناه جدهم إبراهيم 
قال: أخبروني عنه، من أي شيء صنع هذا البيت؟
قالوا له: من الحجارة ولا سقف له!
قال لهم: وما كسوته؟
قالوا له: كسوته من مخطوطات يمنية (كان ستار الكعبة في الجاهلية يصنع في بلاد اليمن، قطع قماش تسمى مخطوطات، لونها أحمر وأسود)
ففكر أبرهة بالأمر، ثم استشار المقربين منه، قال" ما رأيكم أن نبني كنيسة للعرب في اليمن، أفضل من هذا البيت؟
فأُعجبوا بالفكرة، ووافقوه عليها.
______
فبدأ ببناء كنيسة عظيمة في صنعاء، وبالغ جداً في زخرفتها، وزينها بأنواع الزمرد والياقوت، وكساها بأجمل القماش.. (حتى يجذب الناس إليها، ويصرف انظارهم عن الكعبة)
ثم طلب من العرب، أن يحجوا إليها.. فاستهزأ العرب منه؛ قالوا نترك كعبة أبينا أبراهيم بيت الله، لنحج الى كنيسة أبرهة؟!
ومضت الأيام ولم يأتِ إليها أحد (فشعور أبرهة كان شعور الفشل والخيبة)
لم يستجب الناس إليه، حتى جاء رجل من أهل الحجاز ليلاً، ودخلها، حتى وصل إلى أرفع وأجمل مكان فيها، وتغوط عليها (يعني قضى حاجته عليها) ثم لطخها بالنجاسة 
وقال: هذا حجنا إليها يا أبرهة، ثم انصرف.
______
في الصباح، عندما استيقظ أبرهة من نومه، أخبروه حاشيته بما حدث ليلاً من ذلك الرجل 
فاشتعل أبرهة من الغضب، وأقسم ليهدمن كعبة العرب، وحمل حملته على العرب وجهز جيشاً ضخماً لم يُر مثله لكي يهدم الكعبة وينتقم منهم..
تقدم أبرهة بجنده بفيل عظيم، وفي طريقه كان يبعث جنوده على قبائل العرب ليغزوهم، ويأخذ طعامهم وشرابهم، لينفقها على جيشه..
حاولت قبائل عربية التصدي له ولكنها باءت بالفشل والهزيمة أمام جيشه..
بعض القبائل عندما سمعت بقدومه، تركت منازلها وهربت الى الجبال..
كل العرب وقبائل العرب لم تستطع الوقوف في وجه أبرهة وجنده..
كان جيش ابرهة عبارة عن (عاصفة دمرت قبائل العرب) 
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (9)

هذا الحبيب (9)
إرهاصات النبوة
قبل مولدِ النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين يوماً، وقعت حادثة اهتز لها العرب جميعاً، وهي حادثةُ الفيل، وكانت من إرهاصاتِ النُبوة قبل مولدهِ.
فما هي الإرهاصة، والمعجزة، والكرامة، والاستدراج، والإهانة 
هي خمسُ أسماءٍ لمسمىً واحد وهو الأمرُ الخارقُ للعادة
_____
الإرهاصة: هي أمرٌ خارق، يحدثُ لأي نبي قبل مولده، أو قبل أن ينزل الوحي عليه، وهي عبارة عن تجهيز لحضوره، تماماً مثل حادثة (أصحاب الفيل) قبل مولده صلى الله عليه وسلم، بخمسين يوماً، وسنأتي على ذكرها إن شاء الله.
___
المعجزة: عندما يُوحى إلى نبي ويتسلم مهام الرسالة، ويقول للناس إني رسول الله إليكم، ويأتي بأمر خارقٍ للعادة، دليل على صدقهِ.
____
الكرامة: أمرٌ خارق، يحدث لإنسان صالح.. مثل الصحابة رضوان الله عليهم، والأولياء.
____
الاستدراج: يكون لإنسان منافق، يعتقد الناس أنه من الصالحين، يستدرجهُ الله بأمرٍ خارق، حتى يوردهُ في النهاية للهاوية.
قال تعالى: {سنستدرجُهم من حيثُ لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين}
____
الإهانة: هي أمرٌ خارق، يحدثُ لمن يدّعي أنهُ نبي، مثل مسليمة الكذاب 
إدعى مسيلمة النبوة، وأنه شريكٌ لمحمد في الأرض بالرسالة.
قومهُ كانوا يعلمون أنه كاذب، فأردوا أن يستهزؤوا به،
 قالوا: يا مسيلمة، محمد قد ظهر على يده خوارق 
قال: لهم ماذا تريدون؟ 
قالوا: بلغنا أن محمداً، قد بصق في عين أحد أصحابه، بعد أن قُلعت من مكانها في إحدى الغزوات (يقصدون الصحابي قتادة رضي الله عنه، عندما قُلعت عينه في (غزوة أُحد) فجاء يحملُها على كفه، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم وأرجعها مكانها وبصق عليها، فرجعت تبرُق في وجهِ قتادة وعادت مكانها، وكان يقول قتادة: والذي بعث محمداً بالحق، لإني أرى فيها أفضل من عيني السليمة)
قال مسيلمة: أحضروا لي رجلاً أعوراً، فأحضروه له 
فبصق في عينهِ من أجلِ ان يُشفى، فعميت عينه (هذا أمر خارق، لو بصق كل الناس في عين شخص، لا يعمى)
فضحك الناس عليه 
قال لهم: هاتوا غيرها 
قالوا له: بلغنا أن محمداً، جاء الى بئر ماء مالح وقليل لا يسقي الظمآن، فبصق فيه فكثر الماء وامتلأ البئر على الفور.
فذهب مسيلمة معهم، إلى بئر فيه ماءٌ قليل، فبصق فيه مسيلمة فجف الماءُ على الفور لم يبق فيه نُقطة ماء واحدة. 
(هذا ما يُسمى الإهانة ولكنها خارقة للعادة)
____
ومن الإرهاصات قبل مولده صلى الله عليه وسلم (حادثة أصحابُ الفيل)
وكانت هذه الحادثة بمثابة، لفت لأنظار العالمَ كُله، لهذا المكان الذي سيولدُ فيه سيدُ الخلق وإمام المرسلين سيُدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
كان ذلك الحدث الضخم الغريب العجيب، الذي لم يسمع به العالم من قبل، فما قصة أصحابُ الفيل، ولماذا أراد أبرهة هدمَ الكعبة؟
يتبع بإذن الله..

الخميس، 16 يوليو 2020

هذا الحبيب (8)

هذا الحبيب (8)
حمل آمنة بسيد الخلق، صلى الله عليه وسلم
فرأت آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا.. 
تقول: هتف هاتف في أذني وأنا بين النائم واليقظان فقال لي: يا آمنة هل شعرتِ أنك حملتِ؟
تقول آمنة: فكأني شعرتُ أني أقول له، لا أدري!
قال: يا آمنة قد حملت بسيد هذه الأمة ونبيها، فإذا ولدته فسميه (محمد) 
قالت: فكان ذلك مما أكد لي الحمل. 
ثم عرفت آمنة أنها حامل بعد انقطاع الحيض، وعلم عبد المطلب أن آمنة قد حملت.
____
فرح عبد المطلب فرحاً كبيراً، وفرحت مكة كلها بهذا الخبر. 
ثم ذهب ليهنئ آمنة.. 
فقالت له آمنة: أريد أن أخبرك عن رؤيا رأيتها، 
فلما قصّت عليه الرؤيا تذكر عبد المطلب جميع ما مرّ به من مُبشرات، وأنه سيخرُج من صُلبهِ مولود له شأن عظيم.. 
وتذكر تلك الرؤيا في منامه (أنه رأى سلسلة من فضة خرجت من ظهره، حتى صعدت للسماء، ثم رجعت إلى شجرة خضراء لها غصون ولها ظل، فجاء جميع الخلق وتعلقوا بها)
ولأنه كان يسافر كثيراً، فكان يقابل الأحبار والعرافين وأهل الكتاب، وكانوا جميعهم يبشرونه، أنك في ظِل نبي آخر الزمن، هو فخرٌ للعرب كلها، ولن يخرج إلا من دائرة بيتك.
وقصّ رؤياه لأهل المعرفة والكتاب، ولِمن كان عِندهُ علم بتفسير الرؤى 
فقالوا له: يخرج من صُلبك مولود يكون له شأن عظيم في الأرض والسماء!
_____
فلما قصت عليه آمنة الرؤيا، تهلل وجهه بالسعادة 
وقال: يا آمنة أُكتمي رؤياك ولا تحدثي بها أحداً..
يا آمنة: إن أهل الكتاب أخبروني وبشروني بنبي آخر الزمن المنتظر ولعل الجنين الذي في بطنك يكون هو، فإن لأهل الكتاب حوله إشاعة كبيرة.
______
 ومضت الأشهر والأيام وآمنة: لم أجد في حملي كما تجد النساء، لم أشعر به ولا وجدت له ثقلة كما تجد النساء، (أي: لا وحام، ولا تعب، ولا دوخة، ولا إرهاق ولا ألم)
حتى أني أذهب للبئر لأشرب، أرى ماء البئر قد ارتفع للأعلى، فأشرب منه فإذا انتهيت رجع  
(وذلك ببركة من تحمل، صلى الله عليه وسلم)
فأخبرتُ بعض النساء حولي، فقلن لي: علقي حديداً في عضديك ورقبتك (يعني مثل أيامنا هذه، تعليق الطوق في الرقبة، على شكل عين وما الى ذلك، من الدجل، لترد العين والحسد وأذى الجن)
قالت: ففعلت، فما مضى يوم إلا قُطع (أي الطوق)
فتركته ولم ألبسه.. ومضت الأشهر حتى دخلت في الشهر التاسع، وهنا قبل مولده صلى الله عليه وسلم بخمسين يوماً وقع حدث عظيم اهتزت له مكة والعرب..
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (6)

هذا الحبيب (6)
زواج عبد الله من آمنة بنت وهب
لما فرحت قريش بفداء عبد الله، أخذ عبد المطلب بيد ابنه عبد الله، وسار به الى الكعبة، والناس ينظرون، وطاف به بالبيت سبعاً..
نظرت قريش إليهم، فرأت عبد الله يخرج النور من وجهه.. 
وكيف لا يخرج النور من وجهه وهو يحمل نور نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم.
وجاءت قريش تهنئ عبد المطلب، في نجاة ولده.
_____
عبد المطلب ما زال يتذكر كلام ذلك الحبر اليهودي في اليمن عندما كان في رحلة الشتاء.
كان قد نزل عند حبر من اليهود، فقال الحبر لعبد المطلب متعجباً: رجلٌ من أهل الديور! 
يسأله متعجباً: أنت من أهل الكتاب؟!
يا عبد المطلب، أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك؟ 
تأذن لي أتفحص جسدك.. وكأن عنده علامات إذا وُجدت فيه، تدل على شيء
قال: نعم إذا لم يكن عورة 
فلما نظر الحبر لجسده وتفحصه 
قال له: أشهد أنك تحمل بين يديك.. ملكاً.. ونبوة 
 قال الحبر: إذا رجعت تزوج من بني زهرة يا عبد المطلب، سيخرج من ذريتك رجل ذو أمر عظيم، يجمع بين الملك والنبوة، وسيكون فخراً  لقبيلتين من العرب هم (بني هاشم.. وبني زهرة)
فلما رجع تزوج من (هالة بنت وهب) من بني زهرة
وبقي هذا الكلام في رأس عبد المطلب، فقرر أن يزوج عبد الله ويفرح به، يزوجه من (بني زهرة) من آمنة، أملاً بكلام ذلك الحبر اليهودي لعله يتحقق حلمه.
_____
فعلمت قريش، أن عبد المطلب  قرر أن يزوج ابنه عبد الله من بني زهرة، وانتشر الخبر في مكة، حتى أن فتيات مكة مرضن ولزمن الفراش، عندما سمعن هذا الخبر تأسفاً وحسرة؛ فكل فتاة كانت تتمنى أن تكون زوجة لهذا الرجل المبارك.
_____
ذهب عبد المطلب الى سيد بني زهرة، أبو آمنة (آمنة بنت وهب)، أم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم،
وخطب آمنة.. لابنه.. عبد الله 
كان عُمْر (عبد الله) والدِ النبي صلى الله عليه وسلم (18) عاماً
وكان عمر (آمنة) أم النبي صلى الله عليه وسلم (14) عاماً، ويقال (16)
وفي نفس اليوم تزوجها عبد الله ودخل بها.
وكانت من عادة العرب أن العريس يبقى في ديار أهل العروس، ثلاثة أيام وبعدها يأخذ زوجته، ويرجع الى اهله
فحملت آمنة بسيد ولد آدم، حملت بالنور المهداة للعالمين، حملت بخير خلق الله أجمعين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. 
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (7)

هذا الحبيب (7)
وفاة والدِ النبي صلى الله عليه وسلم
بعد مضي ثلاث أيام، أخذ عبد الله عروسه (آمنة بنت وهب) وارتحل بها إلى قومه، وبعد أيام تجهزت القافلة لرحلة الصيف، التي كانت مُتجهة لبلاد الشام، فاختاروا فيها عبد الله العريس، كي يكون في القافلة مع بعضِ إخوته.
_____
ودّع عبد الله عروسه (آمنة بنت وهب) ولم يكن عِنده عِلم، أنه لن يراها بعد اليوم أبداً، ولم يكن عِندهُ عِلم أن آمنة قد حملت له بطفل هو حبيبُ ربِ العالمين، وخيرُ خلقِ الله أجمعين 
ودّعها عُبد الله ثم انطلق مع القافلة الى بلاد الشام.
______
بعد أشهر رجعت القافلة، وليس فيها عبد الله!
فسأل عبد المطلب أين عبد الله؟
قالوا له: لا تقلق يا شيخ مكة، تركناه عند أخواله في بني النجار، في يثرب (المدينة المنورة) فقد أصابه بعض المرض، وعندما يتعافى سيرجع، تركناهُ هناك فلقد خُفنا عليه من مشقة السفر.
_____
نظر عبد المطلب الى ابنه الكبير (الحارث) وقال: يا بني انطلق على الفور الى يثرب، وأحضر عبد الله ولو في هودج.. 
(الهودج.. هو مثل الخيمة التي تكون على ظهر الجمل تحمل النساء في السفر)
فلما ذهب الحارث، ووصل يثرب وجد القوم في عزاء، فسأل عن أخيه!
فقالوا له: قد مات اخوك عبد الله وذلك قبره، فوقف عند قبرِ أخيه وبكى حتى أفرغ حُزنه بالبكاء عليه ثم رجع الى مكة، وأخبر أباه، فكانت الفاجعة، وضجت مكة وقريش لهذا الخبر. 
سبحان الله قبل أشهر يُفدى بمائةٍ من الإبل وبعد شهرين يدركهُ الموت! ما السر في ذلك؟ 
حتى يخرُج من صُلبهِ، محمدٌ رسول الله، صلى الله عليه وسلم
حزنت مكة كلها، على وفاة عبد الله 
_____
وكانت آمنة قد حملت بهذا الطفل المبارك، الذي سيكون رحمة للعالمين.
لم تكن تعلم آمنة أنها حامل، لأنها كانت صغيرة بالعمر ولأنها أول مرة تحمل.
 تقول آمنة: لم أعرف أني حامل، إلا أنني أنكرت حيضتي (أي انقطع عنها الحيض) 
فلما كان الشهر الثاني من وفاة زوجها عبد الله، رأت رؤيا.. هتف هاتفٌ في أذنها وهي نائمة..
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (5)

هذا الحبيب (5)

كاهنة يثرب، وعبد الله الذبيح

فلما أخبرها عبد المطلب بالأمر قالت الكاهنة: أمهلوني اليوم وارجعوا إليّ في الغد، حتى يأتيني قريني فأسأله!

كان الكهنة والعرافين علاقتهم مع الجن، تسأل قرينها أي الجني الذي تتعامل معه

فتركوها ورجعوا..

_____

قلنا إن عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم ولد في يثرب (المدينة المنورة) يتيم الأب عند أخواله بني النجار.

الآن عبد المطلب كان من عادته إذا وصل المدينة المنورة، أن يذهب لزيارة أخواله والتجول في أسواق المدينة، فلما خرجوا من عندها لم يذهب عبد المطلب لزيارة أخواله من بني النجار ولم يذهب الى أسواق المدينة يتذكر طفولته فيها، كان مشغول البال بمصير ابنه عبد الله، فقام يتضرع ويدعو الله أن يوفقه لما يرضاه.

____

رجعوا في اليوم الثاني الى الكاهنة، فقالت لهم: قد جاءني الجواب، كم دية الرجل عندكم إذا قتل؟  أي رجل منكم قتل رجل، كم تدفعوا ديته مقابل أن يرضى أهله

قالوا: نعطيهم عشرة من الإبل

قالت: إذن تُقدموا صاحبكم (تعني عبد الله) وتقدموا عشرة من الإبل، واطرحوا القدح

(أي تكتبوا اسم عبد الله على القدح الأول، وعلى الثاني تكتبوا عشرة من الإبل، قرعة)

واضربوا عليها وعلى صاحبكم القدح، فإن خرجت عليه زد من الإبل عشرة (اعملوا قرعة بين عبد الله والعشرة من الإبل فلو خرجت القدح في القرعة باسم العشرة من الإبل، فقد رضي ربكم بالفداء، فإن خرجت باسم عبد الله يجب عليكم ان تزيدوها عشرة وتعيدوا القرعة)

قال عبد المطلب: وإن خرجت عليه مرة اخرى ماذا نفعل؟

قالت: تزيدوا عشرة ثم عشرة حتى تخرج، على الإبل حتى يرضى ربكم ويفدى هذا الغلام، ولا تتردد، واعلم أنك ستنال رضا الآلهة ونجاة صاحبك.

______

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أبن الذبيحين)

والمقصود أبوه عبد الله.. وأبوه الثاني إسماعيل عليه السلام، لما رأى إبراهيم خليل الله عليه السلام، رؤيا تأمره بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام، فصدق الرؤيا وهمّ بذبحه، ففداه الله بذبح عظيم، جده الأكبر للنبي صلى الله عليه وسلم، نبي الله اسماعيل عليه السلام (أنا أبن الذبيحين)

______

 ففرحت قريش جميعاً وأصبحت قريش ترفع صوتها وتتفاخر بالكرم والسخاء والنخوة.

وأخذوا يصيحون بأعلى صوتهم!

يقولون: واللات والعزى.. لنفدي عبد الله وإن لم يبق في مكة إبل.

_____

 ورجعوا مكة، والناس في مكة حزينة، وفي قلق لأن عبد الله كان في مكة من أحب الناس إليهم، وكان أجمل شباب قريش وأكرمهم خلقاً.. فكيف يُذبح؟

 فصار عندهم قلق وكآبة

 شاع الخبر في مكة واجتمع الناس وأحضروا عشرة من الإبل

وتقدم عبد الله وقدموا عشرة من الإبل.. طرحوا القدح فخرج السهم على عبد الله!

فأضافوا عشرة فخرج السهم على عبد الله!

 فألحقوها عشرة فخرج السهم على عبد الله!

فما زالوا يزيدون عشرة فوق عشرة يلحقونها عشرة حتى بلغت الإبل مائة على التمام

عشر عشرات فخرج السهم على الإبل، صرخت قريش بصوت عالي، قد رضي ربك يا عبد المطلب

 فقال: لااا .. قالوا: لم لا ، يا سيد قومك؟

(ما القصة يا عبد المطلب القدح أول مرة طلع على عبد الله مباشرة هممت لذبحه)

 قال لهم حتى أضرب القدح ثلاث فإن خرجت على الإبل ثلاث هنا أعلم أن ربي قد رضي، وإلا فلا بد من ذبح الولد..

 قالوا: كما تريد

(فقاموا بالقرعة ثلاث مرات وفي كل مرة تخرج على الإبل)

فقال عبد المطلب: الآن اطمأن قلبي، وأن ربي قد رضي

وكان فداء عبد الله 100 من الإبل، نحروها وجعلها عبد المطلب طعاماً للناس والسباع والوحوش في الجبال لا يمنع عنها أحداً،

فرحت قريش بفداء عبد الله فرحاً ما بعده فرح.. ثم أخذ عبد المطلب بيد ابنه عبد الله وسار به في اتجاه الكعبة.. 

يتبع بإذن الله..