الأحد، 26 يوليو 2020

هذا الحبيب (21)

هذا الحبيب (21)
* حادثة شق الصدر*
تقول حليمة رضي الله عنها: رجعنا إلى ديار بني سعد ومعي (محمد) صلى الله عليه وسلم 
وأخذ يشب شبابه مع إخوته في الرضاعة بعدما فطمته عن الرضاعة.. 
(هنا نبدأ بالسيرة، وأول نطقه وكلامه، صلى الله عليه وسلم)  
_____
تقول حليمة: نطق مبكراً، وكان أفصح الصبيان بالنطق والكلام.
تقول: جاء محمد صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام فقال لي: يا أماه ما لي لا أرى إخوتي في النهار؟
فقلت له: يا بني، إنّا لنا أغنامٌ يسرحون بها إلى الليل.
فقال: إني أحب أن أراهم في النهار. 
في اليوم الثاني أراد إخوته الخروج لرعاية الأغنام 
فقال لها: يا أماه، هل تأذني لي أن أرعى الغنم معهم؟
فقلت له: يا بني، أنت صغير!
فقال إخوته: يا أماه يا أماه، دعي محمداً يسرح معنا، نحن نرعاه، لا تخافي عليه سنعتني به
 إخوته من حليمة هم: (الشيماء، وعبد الله، وأنيسة)
وكانت الشيماء دائماً تلاعب النبي وتقوم برعايته مع أمها وتحبه، وعندما تبحث عنه حليمة تجده مع الشيماء تلاعبه وهي تنشد له الشعر. 
هذا أخٌ لي لم تلدهُ أمي.. وليسَ من نسلِ أبي وعمي.
ويكون حولها يضحك ويلعب، صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن الشيماء، فقد أسلمت وكانوا يسمونها أيضاً أم النبي.
 فخرج معهم، وكان لمّا يُكمل السنة الثالثة من عمره بعد، صلى الله عليه وسلم 
فأصبح يخرج ويسرح معهم بالأغنام، حتى أصبح لا يفارق إخوته..
فلما كاد أن يتم الرابعة من عمره (يعني إلا شهرين أو ثلاثة)
_____
تقول حليمة: وفي يوم من الأيام، خرج معهم كعادته فما أن انتصف النهار حتى جاء إبني عبد الله ومعه أخ له وعدد من الصبية يركضون ويصرخون.. 
يا أمااااه يا أمااااه، أدركي أخي القرشي، فلا أراكِ تدركينه (بمعنى يا تلحقيه يا لا)
تقول حليمة: ففزعتُ وقمتُ أنا وأبوه بسرعة وقلنا: ما الخبر.. ما بال محمداً؟!
قالوا: ونحن بين الأغنام، جاء إلينا رجلان، طوال القامة، عليهم ثياب بيض، أخذوا محمداً من بيننا، ثم صعدوا به أعلى الجبل، فلحقناهم.. 
ماذا تريدون منه، أتركوه، إنه ليس منا أتركوه، إنه قرشي ابن سيد مكة، فلم ينطقوا بأي كلمة، ولم نستطع اللحاق بهم. 
ورأيناهم من بعيد قد أضجعاه في طشت معهم، وأخذوا يشقون بطنه! 
تقول حليمة: فانطلقت أنا وأبوه بسرعة مفزوعين.
وأخذت تصيح حليمة بأعلى صوتها وتقول:
وااا ضعيفاه،  وااا وحيداه، وااا يتيماه
______
 فلما وصلت حليمة وزوجها، نظروا الى الجبل.. 
تقول: فرأيناه جالساً على قمة الجبل، منتقعاً، لونه أصفر، ينظر الى السماء. 
تقول: فانطلقت نحوه مسرعة، ثم احتضنته وقبلته، ثم احتضنه أبوه. 
قلت: يا بني؛ ما الذي جرى لك، أخبرني؟!
قال: إني بخير، بينما أنا بين إخوتي أقبل إلينا رجلان عليهم ثياب بيض فأخذاني من بين الصبية. 
 قال أحدهم للآخر.. أهو؟
 فقال له: هو 
 ثم وضعاني في شيء معهما بكل لطف ثم شق أحدهما من صدري إلى منتهى عانتي وأنا أنظر إليه لم أجد لذلك مساً! 
(يعني لا يوجد وجع وألم)
 وأخرج أحشائي ثم أخرج منها شيئاً لا أعرفه، ثم غسلها بالثلج، ثم أعادها مكانها. 
فقال له صاحبه: قد قُمتَ بما وُكّل إليك فتنحى (بمعنى أنه انتهت مهمتك التي قد وُكلت بها)
ثم جاء الآخر فوضع يده على صدري ومسح عليه فرجع صدري والتحم. 
 وكشف لهم عن بطنه أي انظروا.. فلما نظروا رأوا مثل جرح وكأنه ملتحم جديد 
ثم قال لصاحبه: زنه بعشرة من قومه (أي ضع الميزان وأوزنه)
فوضعوني في شيء ووضعوا عشرة رجال في شيء آخر (يعني مثل الميزان الكفتين) فوزنتهم 
 فقال له: زنه بمائة 
 فوضعوا مائة رجل فرجحتهم وطاش الميزان
قال: زنه بمائة ألف 
فوضعوا مائة ألف في كفة، فلما وضعوني في الأخرى، فرجح الميزان، وتطاير الرجال في السماء، فرأيتهم كأنهم يتساقطون عليّ..
فقال له: دعه، فوالله لو وزنته بأهل الأرض لرجحهم جميعاً. 
ثم قالوا: لا تخف يا (حبيب الله) فإنك لو تعلم ما يُراد منك؛ لقرّت عينك ثم ضموني لصدرهم وقبلوني.. ثم طاروا في السماء وها أنا أنظر إليهم يا أمي فلن يعودوا.
_____
يُحدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن حادِثة شق الصدر: 
عندما أقبلت حليمة وهي تصيح وتقول: وااا ضعيفاه، وااا وحيداه، وااا يتيماه، سمعتها الملائكة من بعيد وهي قادمة.. 
فلما قالت: وااا ضعيفاه 
يقول صلى الله عليه وسلم:
فانكبوا عليّ فقبلوا رأسي وما بين عيني، فقالوا: حبذا أنت من ضعيف! 
ثم قالت ظئري: يا وحيداه! فانكبوا عليّ فضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عينيّ، ثم قالوا: حبذا أنت من وحيد وما أنت بوحيد! إن الله معك وملائكته والمؤمنين من أهل الأرض. 
ثم قالت ظئرى: يا يتيماه، استضعفت من بين أصحابك فقتلت لضعفك، فانكبوا علي فضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني، وقالوا: حبذا أنت من يتيم، ما أكرمك على الله! لو تعلم ماذا يراد بك من الخير! 
قال: فوصلوا بي إلى شفير الوادي، فلما بصرت بي أمي - وهي ظئري - قالت: يا بني ألا أراك حياً بعد! فجاءت حتى انكبت عليّ.. صلى الله عليه وسلم. 
معنى ظئري أي (مرضعتي)
الظِّئْر: الأنثى التي تعطف على ولد غيرها أو ترضعه ويطلق على الذَّكر كذلك.
______
لماذا حادثة شق الصدر؟ 
الله عز وجل، خلق الإنسان، ويوجد مكان داخل جسده قريب من القلب، كالعَلَقة يكون فيها مثل بيت أو مكان للشيطان، ومن هذا المكان يجلس الشيطان، ويلقي وساوسه للقلب، كل إنسان فينا عنده هذه العلقة، وهي حظ الشيطان منّا، أي نصيبه، فجاءت الملائكة فأزالتها من صدر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعد للشيطان مكان ولم يعد له حظ من رسول الله.
ولو سأل أحدهم:
لماذا خلقها الله لرسوله وكان من الممكن أن يخلقه بدونها؟
لأن هذه العلقة جزء من الأجزاء الانسانية، يعني لو نقصت لنقص الكمال الإنساني، فخلقها الله تكملة لخلقه الإنساني صلى الله عليه وسلم. 
ثم نزعها منه تكرمة له واستُبدل مكانها الحكمة، ليعلم جميع الخلق كرامته عند الله، وليتأكدوا من كمال باطنه، كما تأكدوا من كمال ظاهره. 
(فلو خُلق بدونها، لم تظهر للخلق تلك الكرامة)
______
 تقول حليمة: فأخذناه وحدثنا قومنا في بني سعد فخافوا عليه من الجن والشيطان..
 وقالوا: يا حليمة.. أحضري له كاهناً يرى ما القصة؟
 تقول حليمة: فأخذنا محمداً إلى كاهن، ومحمد يقول ما لي ومال الكاهن ليس بي شيء أنا بخير، لا يريد الذهاب.. 
 ولكن لأنه صغير بالعمر غلبناه وأخذناه إلى الكاهن.
(عذراً على الإطالة)
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (20)

هذا الحبيب (20)
حليمة السعدية، الجزء الخامس
تقول حليمة: رجعنا بهِ إلى مكة، فأخذتُ أحدث آمنة وجدّه عبد المطلب عن محبتنا له وحبهُ لنا.
 (تمهد لهم الحديث في محاولة منها لإقناعهم أن يرجع معها، كم نُحب محمد وتعلقنا به، وهو أيضا يحبنا ومتعلق بنا)
هنا آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم، فهمت من كلام حليمة أنها تريد أن ترجعه معها 
فقالت آمنة: ما شأنك يا حليمة؟!
(يعني إلى أي شيء تريدين أن تصلي، أدخلي بالموضوع)
فسكتت حليمة ثم رفعت رأسها بخجل
وقالت: أحببناه يا آمنة!  
ولا نتحمل فراقه، وإنا رأينا البركة فيه، وإنا نُحب أن يبقى عندنا عامين آخرين نأمن عليه من وباء مكة.. 
(وفعلاً في ذلك الوقت بدأت تظهر أمراض بمكة بعد هلاك جيش أبرهة في حادثة الفيل، وأجساد جنوده التي تعفنت)
وظلت حليمة تقنع آمنة، فما زالت تحدثها وتقنعها، حتى وافقت آمنة 
ثم قالت آمنة: يا حليمة ألا أخبرك عن ولدي هذا؟ 
(أي هل أحدثك عن ولدي أشياء لا تعرفيها) 
يا حليمة، إحرصي عليه فإن لإبني هذا شأن.. 
(وأخذت تحدثها عن حمله وولادته، وكيف نزل ساجداً، وعن النُور الذي خرج منه) 
إحرصي عليه يا حليمة.
_____
رجعت حليمة وأخذت النبي صلى الله عليه وسلم معها إلى ديار بني سعد، ليقيم عند حليمة عامين آخرين.
تقول حليمة: ونحن في طريقنا، مررنا بركب من الحبشة، وفيهم أهل الكتاب.. 
(قافلة من الحبشة، فيهم من أهل الكتاب الذين على دين سيدنا عيسى عليه السلام، النصارى، والحبشة كانت النصرانية منتشرة فيهم)
تقول حليمة: فعرضت الصبي عليهم بغية أن أتأكد وأتعرف.. 
(حليمة رضي الله عنها، كان عقلها مشغولاً بالتفكير، ما السر الذي يحمله هذا الصبي، وخاصة ما رأته من بركته، وحديث أمه آمنة عنه، فأحبت أن تعرف من أهل الكتاب الرهبان لأن عندهم عِلماً من الكتاب)
تقول: فعرضته على راهب فيهم فقلت له: ألا ترى ولدي هذا؟!
قال الراهب: ما به؟
قلت له: إن له أموراً غريبة، أنظر إلى حمرة عينيه هذه!
قالت: فنظر فيه الراهب وأخذ يتفحصه.. 
فقال متعجباً: ما هذه الحمرة.. أيشتكي شيئاً في عينيه؟!
فقلت له: لا، هي ترافقه منذ ولادته!
ثم نظر إليه، واستمر في تفحصه 
ثم قال: ما اسمه؟
قلت له: (محمد)
 فقال وهو مندهشاً: هل ولد يتيماً؟!
تقول حليمة: فأحببت أن أصدقه الحديث 
قلت له: نعم قد ولد يتيماً
تقول فأخذ الصبيَّ يقبلّه وقال لمن معه: 
إي وربّ عيسى، إي وربّ عيسى، إنه نبي!
فأقبل مَن معه مسرعين، وأمسكوا الصبي، ثم أخذوا يقبلون رأسه، ويضمونه الى صدرهم 
ثم قالوا لها: لنأخذن هذا الغلام، فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا، فإن هذا الغلام كائن لنا وله شأن، نحن نعرف أمره..
(أصبحوا يتحايلون على حليمة، يريدون أن يأخذوه معهم الى ملك الحبشة، فلقد عرفوا أمره، وإنه نبي آخر الزمان)
تقول حليمة: فلم أكد أنفلت به منهم (يعني ما صدقت آخذه منهم وأمشي)
______

هل لاحظتم النصارى، ما كان منهم خوف على الرسول من القتل.. أما اليهود فهم أهل الأذية والقتل والغدر في الأرض، قال تعالى:
 (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ)
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (19)

هذا الحبيب (19)
حليمة السعدية، الجزء الرابع
تقول حليمة: وصلنا إلى ديار بني سعد، فلم يبق بيت في ديار بني سعد، إلا فاح منه ريح العود! 
كانت أرضنا عجفاء (أي أصابها الجفاف من قلة الماء، ناشفة، لا يوجد ربيع في الارض)
وكانت الأغنام تسرح وترجع هزيلة، ولم يدخل في بطنها شيء من طعام وليس في ضرعها اللبن.
_____
تقول حليمة: فلما قدمنا بمحمد، أصبحت أغنامي تعود وقد شبعت، وقد امتلأ ضرعها باللبن 
كنا نرى الخضرة في أفواهها، وليس في أرضنا نبته (ترجع الأغنام، وما يزال موجوداً أثر الأعشاب في فمها، والأرض قاحلة ليس فيها عرق أخضر)
فيصرخ أصحاب الأغنام بالرعاة (الرعاة الذين يعملون عندهم)
ويحكم! إسرحوا بالأغنام حيث تسرح أغنام حليمة 
ألا ترون أغنامهم! ترجع وقد شبعت والخضرة في أفواههم 
ألا تعلمون أين تسرح أغنام حليمة؟!
فيقول الرعاة: والله إنا لنسرح معاً، وترجع أغنامها معنا 
ولكن نرى أغنام حليمة، لا ترفع رؤوسها عن الأرض، وهي تأكل وتمضغ، وليس في الأرض نبتة واحدة خضراء (أغنام حليمة، تأكل من الأرض، الأرض عبارة عن رمل وحجارة، لا يوجد عشب ليُأكل، والرعاة مستغربين)
وذلك ببركته صلى الله عليه وسلم 
____
تقول حليمة: فكنا نحلب أغنامنا، ولا نهمل أهلنا
(عام جفاف، بنو سعد ليس عندهم حليب، كانت حليمة ترسل لهم بالحليب الذي عندها)
تقول: ففاض الخير كله على ديار بني سعد (ببركته صلى الله عليه وسلم)
______
هنا الناس أصبحوا يتفاءلوا بهذا الصبي اليتيم، فأصبحوا إذا مرض أحدهم أو أصابته عِلة 
تقول حليمة: يأتي إلينا، يقول: أين محمد؟ فيأخذ بيده الصغيرة، ثم يضعها على المريض، فيبرأ في حينه (على الفور، يتعافى)
 وكذلك إذا أصاب بعيرهم أو شاة شيء من المرض، يحملوا محمداً، يضعوه على ظهرها فتبرأ بإذن الله 
_____
تقول حليمة: وأخذ محمد صلى الله عليه وسلم يشب شباباً ليس كشباب الصبي 
يشب في يوم ما يشب غيره في شهر (كان يكبر بسرعة صلى الله عليه وسلم) حتى إذا بلغ عمره عاماً، وكأنه عامين.. 
فلما رأينا هذا الخير والبركة منه، وقد أصبح عمره سنتين، رغبت أن يبقى عندي بعد السنتين (لأن مدة الرضاعة سنتان)
وكنت قد وعدت أمه آمنة، أن نرجعه لها بعد عامين، فعزمت أن أرجعه لأمه وأنا عندي نية في داخلي أن أرجع محمداً معي، بعدما أستأذن أمه. 
______
التي تروي الحديث (حليمة السعدية) رضي الله عنها
أسلمت وقد أدركت نزول الوحي، وهي صحابية، ولها رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أطال الله في عمرها حتى أنها ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ودفنت بالبقيع في المدينة المنورة، بجانب عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولأن حليمة صحابية يؤخذ بحديثها، وكان الصحابة الكرام ينادونها (أم النبي)
____
 تقول رجعنا به إلى مكة فلما رأته أمه آمنة وجدّه عبد المطلب وكأنه غلام جفر (والجفر الذي يبلغ من العمر أربع سنين، عمره سنتان، ولكن اعتقدوا عمره أربع سنين)
تقول: سُرّوا بحسن التربية ونموه السريع صلى الله عليه وسلم. 
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (18)

هذا الحبيب (18)
حليمة السعدية، الجزء الثالث
فلما رأى أحبار اليهود المتواجدين في سوق عكاظ، قافلة بني سعد من بعيد وهي مُقبلة، علِموا أنها تحمل رسول آخر الزمن وخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم
فكيف عرف أحبار اليهود؟
يوجد في كتبهم، صفات نبي آخر الزمان، ومن صفاته عندهم  أنه (مظلل بالغمام، صلى الله عليه وسلم)
____
بنو سعد قادمون نحوهم، ومعهم حليمة تحمل رسول الله، أحبار اليهود جالسين في سوق عكاظ 
فلما نظر الأحبار للقافلة تأتي من بعيد، كان فوقها غمامة، والسماء كُلها لا يوجد فيها غيمة، إلا هذه الغيمة!
كانت إذا وقف الركب توقفت الغيمة فوقهم، وإذا مشوا تمشي معهم!
فنظر الأحبار الى بعضهم البعض، مندهشين 
فقال أحدهم: وربّ موسى إن هذه القافلة تحمل أحمد!
فاتفقوا على أن يعرضوا أنفسهم على القافلة على أنهم عرافين 
(تمثيلية يقومون بها على القافلة، أنهم عرافون، ما يعرف عندنا اليوم فتاحين، يقرأون الكف، ويتنبأون بالمستقبل ويقرأون الفنجان، فمن خلال هذه التمثيلية، يستطيعون أن يتعرفوا من خلالها، على أحمد وله علاماته عندهم)
فعرضوا أنفسهم على القافلة وكانوا أكثر من حَبْر، فتهافت الناس عليهم، 
حليمة السعدية، أحبت مثل باقي النساء معها، أن ترى ما هو سر هذا المولود الذي تحمله، فقد أحست هي وزوجها ببركته صلى الله عليه وسلم 
وكان عندهم جهل في هذه الأمور.
______
فقالت حليمة لأحدهم: أُريد أن أُريك هذا المولود 
فقال لها الحبر: أين ولدك؟
فعرضت عليهم النبي صلى الله عليه وسلم 
فلما نظروا إليه، وأخذوا يتفحصون صِفاته، ارتسمت في وجوههم الدهشة، وأخذوا ينظرون لبعضهم البعض ثم ينظرون الى النبي صلى الله عليه وسلم 
فقالوا لها: ما هذه الحمرة في عينيه؟!
(وكان في بياض عينيهِ صلى الله عليه وسلم حُمرة لا تفارقه، وهي نوع من أنواع الجمال، عروق رقيقة حمراء في بياض عيونه)
فقالت حليمة: لا أدري، هي في عينيه من ساعة ولادته!
فقالوا لها: أيتيمٌ هو؟
هنا حليمة أحست بسؤالهم ودهشتهم، بشيء غريب، خوُّفها منهم 
فقالت حليمة: لا، ليس يتيماً، وهذا أبوه، وأشارت الى أبي كبشة 
فقال واحد من الأحبار اليهود للآخر: أتراه هو؟
فأجابه الآخر: إي وربِ موسى وعيسى هو!
قال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ)
ثم صرخ في الركب (أي بقبيلة بني سعد، قوم حليمة)
(أيها الناس أقتلوا هذا الصبي، فإنه إن بلغ مبلغ الرجال ليسفهن أحلامكم، وليبدلنّ دينكم، وليكفرنّ من مضى من آبائكم، ويلٌّ للعرب ويلٌ للعرب..)
فصرخت حليمة في وجهه 
وقالت: ويلٌ لك أنت، أطلب لنفسك من يقتلك، أما نحن فلا نقتل ولدنا!
فقال الآخر: ألم تقل لك أنه ليس يتيماً 
فقال له: نعم، لوكان يتيماً لقتلته الآن 
فلما سمعت حليمة قولهم، ضمته لصدرِها وهربت به بين الناس واختفت عنهم، وهي خائفة أن يكتشفوا أنه يتيم. 
وتأكدت حليمة أن هذا الصبي تدور حوله أمور غير عادية.
____
 تقول حليمة: 
وصلنا إلى ديار بني سعد، فما بقي بيت من ديار بني سعد إلا فاح منه ريح العود، وكنا نلاحظ هذا الشيء كل يوم، حتى كل ديار بني سعد لاحظت هذا الشيء.
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (17)

هذا الحبيب (17)
(حليمة السعدية، الجزء الثاني)
أخذت حليمة النبي صلى الله عليه وسلم، ورجعت الى رحلها.. 
تقول: وكنت قد أتيت الى مكة على أتان (أي أنثى الحمار) كانت هزيلة ضعيفة، وكان معنا ناقة، والله لقد جف ضرعها.
فكانت تركب على هذه الحمارة وهم ذاهبون لمكة..
تقول حليمة: فكانوا يسبقوني، وأتاني (أنثى الحمار) التي أركبها لا تستطيع أن تلحق بهم!
فيقولون: يا حليمة، يا حليمة قد أعييتِ الركب (أي أسرعي قليلاً، فقد تأخرنا جميعاً، تعبنا منك بسبب سيرك البطيء)
تقول حليمة: فلما أخذت محمداً، ورجعت به الى راحلتي، عرضت عليه ثديي، وما كان في صدري ما يشبع إبني (عبد الله أخو النبي في الرضاعة، كان لا يرتوي من حليب أمه حليمة) فلا ننام الليل من بكاءه، فلما وضعت محمداً في حجري، وعرضت عليه ثديي الأيمن، اهتز صدري وانفجر فيه اللبن.
فشرب حتى ارتوى (صلى الله عليه وسلم) ففرحتُ، فأعطيته ثديي الآخر فلم يأخذه (وكأن الله عز وجل، ألهمه أن له شريك في هذا اللبن، فأخذ واحداً وترك الآخر لأخيه عبد الله، لأنه صلى الله عليه وسلم جاء بالعدل، فإن لم يعدل محمد رسول الله، فمن يعدل؟)
تقول حليمة: فلم يأخذ الثاني طوال سنتين. 
قالت: فوضعت إبني على الثاني، فرضع وشبع.
____
ثم قام زوجي أبو كبشة الى الناقة (الناقة التي معهم ضرعها قد نشف، ليس فيها حليب)
فقام إليها وإذا ضرعها قد امتلأ باللبن! 
 فقال أبو كبشة لحليمة وهو يضحك من الفرح: يا حليمة؛ ألم أقل لك إن هذا الصبي بركة؟
فحلبها وشربنا ونمنا بخير ليلة..
في الصباح، تجهز القوم للسفر ليعودوا لديارهم، ديار بني سعد (المسافة من مكة لديار بني سعد، حوالي 150 كم، منطقة جبلية ومرتفعة عن سطح البحر، جوها لطيف)
تقول حليمة: ركبت الأتان (الحمارة) والتي كانت من النحافة لدرجة أن أقدامها تضرب بعضها ببعض عندما تمشي لدرجت أنها جرحت نفسها.. 
 تقول: فلما ركبت وحملت محمداً معي، إذا بها انطلقت وكأنها تسابق الركب! 
وصاحباتي يقولون: يا حليمة، يا حليمة، أتعبتينا في طريقنا الى مكة، ونحن ننتظرك لتلحقي بنا 
والآن أتعبتينا ونحن نلحق بك. 
أليست هذه أتانك (الحمارة) التي أتيتِ بها من ديارنا؟
فترد عليهم حليمة: بلى هي! 
يقولون لها: قولي لنا، ما شأنها ما الذي حلّ بها (أي ما قصتها)
تقول: لا أدري 
فيقولون لها: فعلاً إن أمرها لعجيب (كانت ضعيفة جداً؛ ما الذي جعلها بهذه القوة)
(ذلك ببركة نبيكم وحبيبكم محمد صلى الله عليه وسلم)
______
حتى اقتربوا من سوق عكاظ (كانت قبائل العرب تجتمع في هذا السوق للتجارة، وتعرض بضاعتها، وتبدأ كل قبيلة تلقي الشعر والقصائد بمدح قبائلهم ويتفاخروا، فيعكظ كل واحد على الآخر بالشعر، أي يتفاخر، لذلك كان هذا سبب تسميته سوق عكاظ)
طبعاً كل منطقة تجارية، من الذي يتواجد فيها دائماً؟
(اليهود طبعاً، فاليهود إذا بحثت عنهم، تجدهم عند المال، هم أهل المادة، سياستهم مسك العصب الرئيسي للاقتصاد)
لما نظر أحبار اليهود لقافلة بني سعد قادمة من بعيد، عرفوا أن هذه القافلة تحمل رسول الله!
كيف عرفوا؟

هذا الحبيب (16)

هذا الحبيب (16)

(حليمة السعدية الجزء الأول)

صرف الله عز وجل، كل المراضع عنه صلى الله عليه وسلم، إلا (حليمة السعدية)

تقول حليمة:

والله ما بقي من صواحبي (يعني صاحباتي) امرأة إلا أخذت رضيعاً غيره، وأنا لم أجد غيره، فكرهت أن أرجع من غير رضيع (حليمة السعدية، وزوجها أبو كبشة، الذي يقرأ السيرة ويتعمق فيها، يدرك أنهما كانا طيبين، وحظهم في الدنيا قليل، ولكن الله إذا أعطى أدهش)

_____

فعزمت حليمة السعدية على أخذ هذا اليتيم، ولم تكن رأته بعد

تقول حليمة: فذهبت الى عبد المطلب، فاستقبلني

قال: من أنتِ؟

قلت: حليمة السعدية

فقال: بخٍ بخ، سعد وحلم، خصلتان إذا اجتمعتا، ففيهما خير الدهر وعز الأبد (تفاءل باسمها)

يا حليمة عندي غلام يتيم، وقد عرضتهُ على نساء بني سعد فأبين أن يقبلن، فهل لك أن تُرضعيه، فعسى أن تسعدي به؟

فقلت له: حتى أسال صاحبي (أي زوجها، أبو كبشة)

تقول فرجعت فسألت زوجي، فتهلل وجهه وأشرق، وكأن الله قذف في قلبه الفرح والسرور

فقال لي: نعم يا حليمة خذيه، ماذا تنتظرين؟

فرجعت الى عبد المطلب فوجدته جالساً ينتظرني، فاستهل وجهه فرحاً عندما رآني.

ثم أخذني وأدخلني على آمنة، فرحبت بي وقالت: أهلاً وسهلاً، تفضلي بالدخول.

تقول حليمة: فدخلت في البيت الذي فيه محمد..

فلما نظرت إليه!

(فإذا هو مُغطى في صوف، أبيض من اللبن، يفوح منه المسك، وتحته حريرة خضراء نائمٌ على ظهره، فأشفقت أن أوقظه لحسنه وجماله)

تقول حليمة: فاقتربت منه رويداً رويداً، ووضعت يدي على صدره..

فلما وضعت يدي، تبسم، ثم فتح عينيه، ونظر إليّ،

فخرج من عينيه نور دخل عنان السماء، فما كان مني إلا أن حملته وضممته وقبّلته، ثم أخذته ورجعت الى رحلي.

______

 تقول حليمة: فحملته وكان معي أخوه (أي تقصد ابنها الذي ولدته واسمه عبد الله، أخو النبي صلى الله عليه وسلم، من الرضاعة)

ثم.. أعطيت إبني لأبيه أبا كبشة (أي زوجها)

وكنت قد أتيت الى مكة على أتان (أي انثى الحمار) كانت هزيلة ضعيفة، وكان معنا ناقة، واللهِ لقد جف ضرعها  (حتى الناقة التي مع حليمة ليس فيها حليب، وكانت سنة جفاف)

يتبع إن شاء الله..


هذا الحبيب (15)

هذا الحبيب (15)

إلتماس المراضع له صلى الله عليه وسلم

تشرف الكون بسيدنا {محمد صلى الله عليه وسلم} وأرضعته أمه سبع أيام على التوالي.. ثم التمس له المراضع.

____

لماذا التماس المراضع؟

كان من عادة قريش أصحاب السيادة (أي الذين يملكون المال)

يحبون أن يتربى أبناؤهم خارج مكة (تقريباً مثل أيامنا هذه، الذي يملك المال، يضع أولاده في أفضل، مدرسة خاصة)

فلم يكن يسترضع في مكة كلها، إلا الأغنياء وأصحاب السيادة.

وذلك لثلاثة أسباب:

(1) يخافون على أولادهم من وباء مكة في مواسم الحجيج.

(كان يأتي ناس كثير للحج، والتجارة من شتى البلاد، ومنهم من يحمل الأمراض المعدية معه، فيخافون على أطفالهم الرضع، من انتقال الأمراض، فالكبار يستطيعون التحمل، أم الرضع فلا)

فكانوا يحبون أن يربى الولد في أول عمره، في البادية عند الهواء النظيف والبيئة النقية، وعندما يكبر ويشتد عوده، يرجع إلى أهله.

(2) اللغة العربية في مكة لم تكن بتلك الفصاحة المطلوبة.

(كان أهل البادية في ذلك الزمن مشهورون بفصاحة اللسان، فكانت اللغة العربية عندهم أكثر فصاحة) فيتعلم الطفل الصغير، فصاحة اللسان من صغره.

 (وجاء زمن أصبح أكثر اهتمامنا تعلم لغة الغرب، الذي هو فعل جيد لا أحد يُنكره، فمن تعلم لغة قومٍ أمن مكرهم، ولكن لا يعني ذلك أن نهمل لغتنا لغة القران، ونجعلها وراء ظهورنا)

(3)  أسياد مكة كانوا يحبون من الزوجة أن تتفرغ لزوجها وتتزين له، لأنه من الأشراف ولا تنشغل عن زوجها بالرضاعة والحضانة.

وربما يسأل أحدهم: إذا كان ذلك أحد الأسباب، فالنبي صلى الله عليه وسلم، ولد يتيماً، ولا يوجد لآمنة زوج، لكي تتفرغ له؟

(السبب لأن جده عبد المطلب، لم يرض بنقص قدر هذا المولود اليتيم، أمام بقية الأولاد في مكة، وأراد أن يجبر خاطر آمنة وقلبها، ولو كان يتيماً يا آمنة، فإن محمداً، سيسترضع مثله مثل أبناء الأشراف ولن ينقص عليه شيء صلى الله عليه وسلم)

_____

(المراضع:) هم نساء، كانوا يأتون من البادية لمكة مع أزواجهم في العام إما مرة أو مرتين.

فجاء قوم من بني سعد (هم أهل حليمة السعدية مرضعة الحبيب صلى الله عليه وسلم)

يريدون رؤية أطفال رضع في مكة، من يطلب مرضعة حاضنة، يطوفون بين أسياد قريش، ويسألون: هل منكم من يريد مرضعة؟

هل منكم من يحب أن نحتضن ولده؟

فلم يبق منهم مرضعة إلا عُرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم

فيسألون: من أبو هذا الصبي (يريدون رؤية أباه، فالأب هو الذي سيدفع لهم المال)

فيقال لهم: أبوه عبد الله، مات وأمه حامل به!

فتتغير ملامحهم ورغبتهم في حضانته، ويقولون: لا رغبة لنا، لعلكم تجدون غيرنا، ثم ينصرفوا

(لأنهم يريدون الأجر والكرم من والد الصبي، صحيح أن جده عبد المطلب شيخ مكة، ولكن المعروف لدى الجميع أن الكرم الأكثر يكون من الأب)

ومهما كانت الأسباب..

إنها إرادة الله عز وجل، أليس هذا محمد صلى الله عليه وسلم {حبيب الله}، ألم يخبره   بمنزلته عند رب العالمين {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}

نترك الأسباب، وننظر الى إرادة المسبب، فالله عز وجل سبحانه، صرف كل المراضع عنه، إلا حليمة السعدية!

يتبع بإذن الله..