الجمعة، 4 يونيو 2010

عشرة دروسٍ أساسية للنجاح في عالم المفاوضات



د. ديفيد فينتر


عشرة دروسٍ أساسية للنجاح في عالم المفاوضات
د. ديفيد فينتر
إن رأيت من خلال تجربتك في عالم المفاوضات كيف أنّ 20% مما تبذله في مفاوضاتك هي التي تعود عليك بـِ 80% من النتائج التي ترجوها فهل أنت مستعدٌّ لمتابعة قراءة هذه السطور كي تعرف هذه العشرين بالمئة القيّمة الحاسمة؟

عزيزي القارئ، من خلال مسيرتي التفاوضية المديدة أتيحت لي فرص الاختبار الواقعيّ مرةً بعد مرة للعناصر المهمّة في نجاح المفاوض وفي السطور التالية أركّز على مبدأ باريتو الآنف الذكر(20 / 80) وأقدّم لك عشرةً من أهم أسرار نجاح التفاوض التي أثبتت تجارب المفاوضين المخضرمين أن فهمها وتطبيقها كما ينبغي سوف يعزّز تعزيزاً جوهرياً أداء المدير على طاولة المفاوضات.

يخبرنا كثير من المديرين أن ضغط الوقت يمنعهم من متابعة المسارات التفاوضية الرفيعة المستوى والجديرة بالتعلّم منها، كما يحرمهم من لحظات الصفاء اللازمة للغوص المتمعّن في التفاصيل التي يتناولها كثيرٌ من كتب فن التفاوض. كما يخبرنا كثيرٌ من رجال الأعمال بحاجتهم إلى مختصرٍ سهلٍ جامعٍ يمكنهم الاعتماد عليه كتذكرةٍ سريعة قبل جلوسهم إلى طاولات مفاوضاتهم المهمّة. ولأجل هؤلاء جميعاً وضعتُ هذه اللائحة.

ومع إقراري بأنّ المفاوض الحائز على التدريب المناسب والمتسلّح بالإعداد الكافي سوف يحوز الأفضلية شبه المؤكدة على من يكتفون بالتصفّح الظاهريّ السريع فإنّني لا أقلّل أبداً من أهمية وقيمة لائحة الدروس التفاوضية العشرة المقدّمة هنا.

لا يُقصد من هذه اللائحة أن تكونَ نافذةً تنوب عن الشمس وإنّما يُقصد أن تكون نافذةً تدلُّ على الشمس ونقطة ارتكاز تيسّر لكل المهتمّين معرفةً من أين يبدؤون وكيف يتقدّمون في توسيع معرفتهم وفهمهم لجوانب عملية التفاوض، ومعرفة عمّ يسألون وكيف يسألون عندما يحتاجون إلى مشورة ونصيحة خبراء التفاوض.
1- اعرف غاية طموحك، حدّد أقصى ما يمكن أن تسعى إليه:يدخل كثير من المديرين المفاوضات دون أن تكون لديهم صورةٌ واضحة محدّدة عن الغاية القصوى التي يطمحون لتحقيقها في تلك المفاوضات، أو ربما يدخلون المفاوضات وهم يطمحون إلى هدفٍ متدنٍ جداً. وبالتأكيد لن يعود هذا عليهم إلاّ بنتائج بعيدةٍ جداً عمّا كان بإمكانهم تحقيقه، وذلك بسبب ما يتعرّض له مطمحهم المتدنّي من تآكل بسبب التنازلات التي يضطرون إليها في سبيل التقدّم في المفاوضات. إنّ مرتكزاتهم النفسية وتوقّعاتهم التي دخلوا المفاوضات بها لن تولّد شيئاً أكثر من ممارسة "تقاسم البيدر بالتساوي"

ينبغي أن يتفهّم المفاوضون أنّ المطلب الأوّلي الذي يعرضونه هو الحدّ الأقصى لما يمكنهم الحصول عليه، وليبس هناك من سبيل إلى نتيجة تعلو عن ذلك المطلب، وما يحدث في الواقع هو أنّهم سيتحركون نزولاً عن ذلك المطلب الأوّليّ. وبالإضافة إلى ذلك عليهم إدراك أنّ غاية طموحهم القصوى aspiration base تُحدّد التوقّعات الدنيا لدى الفريق المقابل.
تذكّر:- عموماً، يتفوّق المفاوضون المبتدئون بمطامح عالية في أدائهم على المنطلقين من مطالب متدنّية. إنّهم ينطلقون بأعلى مطلبٍ ممكن ويحافظون على مصداقيتهم.
- وبتبنيهم غاية طموح مرتفعة فإنّ هؤلاء المفاوضين يوجدون فسحةً كافيةً لتقديم ولطلب التنازلات اللازمة لتحقيق نتيجة "الكسب الإضافيّ للطرفين"
- تولّد المطامح العالية طاقةً نفسية إيجابيّة وتقي المفاوض من أن يكون متصلّباً ودفاعياً.
- تُظهِر المطامح العالية الثقة للطرف الآخر وتمنع في الغالب السلوكات التفاوضية اللاعقلانية.
- تُلزم مطامحك العالية الطرف المقابل ببذل طاقةٍ أكبر لإدنائها، وهكذا يضعف تركيزه ومقدرته على رفع مطامحه.
- إن المفاوض صاحب العرض الأوّل يمكنه "تقييد" عملية التفاوض وفرض المضيّ في اتجاه ذلك العرض.
2- اعرف مطالبك الحقيقيّة الواقعيّة، حدّد أسوأ ما يمكن أن تقبل به:ومثل أهميّة ووجوب اعتماد منطلق طموحات مرتفع يجب على المفاوض أيضاً أن يعرف الحدّ الذي لا يمكنه قبوله وأوانَ الانصراف عن المفاوضات. إنّ عدم تعيين هذا الحدّ تعييناً واضحاً منذ البداية سوف يؤدّي حتماً إلى نزوع المرء للاستمرار في المفاوضات حتّى بعد أن تصبح عديمة أو مضرّةً له.

إنّ ترك تعيين هذا الحدّ إلى حين ابتداء المفاوضات أمرٌ خطيرٌ جداً لأنّ مقاومة العوامل النفسية حينئذٍ والتصرّف بعكس التيار سيكون أمراً شديد الصعوبة. اعرف ماذا ينبغي أن تحصل عليه –ولا أقلّ أبداُ- إن أردت أن لا تكون المفاوضات عملية تدمير ذاتيّ.
تذكّر:إن عدم معرفتك معرفةً واضحة إلى أيّ حدٍ أنت مستعدٌ للمضي في المفاوضات سوف يؤدّي بك حتماً إلى تجاوز حدّ النتيجة الإيجابية الممكنة.

وعدم معرفتك الواضحة النقطة التي ينبغي عليك التوقّف والانسحاب عندها سوف يبدو واضحاً للطرف الآخر مهما كانت خبرته التفاوضية بسيطةً وسوف يستغلّ عدم المعرفة هذا.

من دون معرفتك الواضحة لمطالبك الحقيقيّة سوف يستحيل عليك تقرير "نطاق الاتفاق"، ذلك النطاق الواقع بين المطالب الحقيقيّة للفرقاء المتفاوضين.
3- حدّد أفضل بدائلك الممكنة عن الاتفاقية المتداولة BATNA
أفضل سبيل للاتفاق أن لا تكون مضطراً إليه:
قبل دخول أي مفاوضة ينبغي على المرء أن يقرّر أفضل بدائله الممكنة في حال تعذّر الاتفاق "BATNA".
يجب أن يقرّر المرء سلفاً: ماذا ستكون آثار مغادرة طاولة التفاوض على مصالحه؟ ما البدائل الممكنة لتحقيق أو صيانة مصالحه؟
ما لم يكن المفاوض مدركاً بوضوح لإمكانية وتبعات مغادرته طاولة التفاوض، ومدركاً البدائل الممكنة أمامه في حال الاضطرار لها فلا مناص من أن يجد نفسه مضغوطاً ضغطاً ساحقاً نحو التوصّل إلى اتفاق نتيجة ذعره من التبعات المجهولة الناجمة عن عدم الاتفاق.

إنّ المعرفةً الجيدة بأفضل البدائل عن الاتفاق تتيح للمفاوض الوقوف بصلابة أثناء التفاوض، كما إنّها تمنحه القوّة والثقة اللازمتين لترك طاولة التفاوض عندما يستحيل التوصّل إلى اتفاقٍ مفيدٍ للطرفين.

وبكلماتٍ أخرى مختصرة يمكن تعريف "بديل أو بدائل الاتفاق BATNA" بأنّها المقياس المعياريّ الذي ينبغي أن تقاس به أيّة اتفاقية مقترحة. وكل اتفاقٍ تفاوضيّ يكونُ هذا البديل أفضلَ منه لا يمكن قبوله"
تذكّر:- كلّما سهل على المفاوض ترك طاولة التفاوض عند الضرورة، كلّما ازدادت قدرته على التحكّم بنتيجة التفاوض.
- كلّما ازدادت معرفة المفاوض بالبدائل المتاحة للطرف الآخر كلّما تحسّن استعداده للتفاوض.
- قرار الإفصاح عن "البديل الأفضل عن الاتفاق BATNA" يعتمد على قوة ذلك البديل وعلى احتمالات إضعافه الموقف التفاوضيّ للطرف الآخر.
- حيازة ومعرفة "البديل عن الاتفاق" تزيد قوّة المفاوض. وتحميه من قبول اتفاق سيّئ، أو رفض اتفاق جيّد.
4- ركّز على المصالح والاهتمامات لا على المواقف
ابحث عمّا يحتاجه الآخر وليس عمّا يقول إنّه يريده
في العادة يدخل المفاوضون المفاوضات ولديهم مواقف مسبقة تقوم على واحدٍ أو أكثر من الاهتمامات، أو الاحتياجات الأساسية، أو المخاوف، أو الرغبات.. .

في حين أن المواقف تمثّل المسالك التي قرّر كلٌ من المفاوضين اعتمادها، فإنّ المصالح هي التي تؤدّي إلى قرار المفاوض تبنّي موقف معيّن. وهكذا فإنّ صرف التركيز كلّه على المواقف في أية مفاوضات لن يقود إلّا إلى صراعٍ مديد يحاول فيه كلٌ من الطرفين جرّ الآخر إلى موقفه. والنتيجة في معظم الأحيان هي استعصاءٌ لا حل له، أو هزيمة طرف وفوز طرف.

إن التحدّي الذي ينبغي على المفاوضين النجاح فيه هو النظر إلى ما وراء المواقف التي يعلنها كل طرف في بداية التفاوض واستكشاف وتفهّم المصالح والاهتمامات التي تولّد تلك المواقف. بعد أن يستكشف الفرقاء الاهتمامات والمصالح فإنّهم في معظم الأحيان سيكونون قادرين على التوصّل إلى حصيلةٍ لم يفكّر أيٌّ منهم في التوصّل إليها من قبل ولكنّها مع ذلك تلبّي اهتماماتهم أفضلَ بكثيرٍ ممّا يلبّيه المضيّ في طريق المصارعة الطويل المرسوم لدى كلّ فريق.

عندما يدرك الفرقاء مصالح بعضهم البعض فإنّ أعينهم تبصر ما كان غائباً عنها من المصالح المشتركة الراجحة على المصالح المتضاربة. ويرون عندئذٍ إمكانية تلبيتها بالعمل معاً من خلال اتفاقٍ مرضٍ ومربحٍ للجميع.
تذكّر:- حتّى عندما تكون المواقف شديدة الاختلاف تبقى هنالك فرصة لوجود اهتماماتٍ ومصالح مشتركة أكثر من الاهتمامات والمصالح المتعارضة.
- بينما ترجع المواقف في معظم الأحيان إلى مشكلات وشكاوى ماضية، فإنّ المصالح تدور حول شؤون مستقبلية.
- إن دخول المفاوضات من منطلقٍ موقفيّ صرف يخلق مناخاً صراعياً، بينما يهيّئ دخولها من منطلق الاهتمامات والمصالح جوّاً تعاونياً.
- وضع كل فريقٍ نفسه موضع الآخر والسؤال لماذا يتبنّى هذا الموقف ويرفض ذاك طريقةٌ فعالة في التحقّق من اهتمامات ذلك الفريق وتفهّمها.
- التركيز على المصالح والاهتمامات طريق يسهّل تركيز الأطراف جميعاً على المشكلة الحقيقيّة ويبتعد بهم عن الهجومات الشخصية.
- حتّى ينجح المفاوض كثيراً ما ينبغي عليه المخاطرة بنفسه والمبادرة بكشف اهتماماته ومبرراته قبل أن يقترح حلاً معيناً، وبذلك يخلق الثقة اللازمة للطرف الآخر حتّى يشعر بالأمان الكافي وينطلق في عرض اهتماماته.
- وتذكّر أيضاً، إن اهتمامات ومصالح المفاوضين لا تطابق على الدوام اهتمامات ومصالح الجهات التي يمثّلونها.
5- تحقّق من افتراضاتك فهي غالباً ما تكون خاطئة
انظر إلى صور الآخرين من النافذة ولا ترسمها لهم من خيالك أو مرآتك
أحد أعظم الأخطار والمزالق التي يقع فيها المفاوضون هو ميلهم إلى رسم تصوّراتٍ معينة دون التحقق من صحتها ودقّتها. في كثير من الأحيان لا يؤدّي هذا إلى تأطير الطرف الآخر بطريقة محددة وحسب وإنّما يؤدّي أيضاً إلى مواقف وسلوكيات غير ملائمة تمنع التوصّل إلى اتفاقٍ مجدٍ للطرفين.

مثلاً: يتواجه مستثمر مع مناصر للبيئة للتفاوض على مشروعٍ صناعي قريبٍ من منطقة بحيراتٍ حسّاسة. عندما يتصوّر المستثمر أن مناصر البيئة ما هو إلاّ واحدٌ من عصبةٍ مجنونة بمنع كل أشكال التحديث والتنمية فإنّ هذا التصوّر سيقرّر كيفية تعاطيه مع مناصر البيئة. وبالرغم من افتقار هذا التصور إلى المستندات الواقعية فإنّه سيعمل كتوقّعٍ ذاتي التحقيق، كما إنّه سيقود مناصر البيئة إلى التخلّق به والتصرّف بمقتضاه.
تذكّر:- تصوّراتنا عن الفرقاء المواجهين لنا في المفاوضات غالباً ما تكون غير صحيحة
- تؤدّي الافتراضات إلى انغلاق فكري متسرّع يقضي على إمكانية عمل الأطراف معاً في استكشاف خياراتٍ مبتكرة لتحقيق اتفاقٍ مرضٍ للجميع.
- كثيراً ما تتحوّل الافتراضات إلى تنبّوءات ذاتية التحقيق
- تمنع الافتراضات المسبقة التفاعل المتعاطف المتفهّم بين الفرقاء.

عزيزي القارئ: في الجزء التالي من هذه المقالة نتابع الدروس الخمسة الباقية. فحتى ذلك الحين دمتم مفاوضين ناجحين في كل الميادين.
      



لا يُقصد من هذه اللائحة أن تكونَ نافذةً تنوب عن الشمس وإنّما يُقصد أن تكون نافذةً تدلُّ على الشمس ونقطة ارتكاز تيسّر لكل المهتمّين معرفةً من أين يبدؤون وكيف يتقدّمون في توسيع معرفتهم وفهمهم لجوانب عملية التفاوض، ومعرفة عمّ يسألون وكيف يسألون عندما يحتاجون إلى مشورة ونصيحة خبراء التفاوض.

تناولنا في الجزء الماضي خمسة دروس ونتابع الآن مع:
6- تطلّع دائماً إلى إيجاد فرصٍ مشتركة
لا تفكر في العبور فكر في بناء جسر
إنّ عملية التفاوض ليست مجرد حلّ مشكلات مشترك. إنني لا أنفي أبداً أنّ التفاوض يساعد في حل المشكلات المطروحة على الطاولة، ولكنني أقول إنّ هذه رؤية محدودة لما يمكن أن يؤدّي إليه التفاوض.

إنّ تعريف التفاوض على أنّه حل مشكلاتٍ مشترك يضفي عليه سمة التركيز الانحصاريّ على إزالة المشكلة، وهو ما يعني تعلّقه بالماضي أو الحاضر. لكن عندما ننظر إلى التفاوض كبحثٍ عن الفرص فإنّ التركيز سيكون انفتاحياً وهو ما يعني توجّهه إلى المستقبل.

ولبّ المسألة إذاً هو توفّر الدافع نحو الاستكشاف المشترك لنطاقٍ واسعٍ من الفرص استكشافاً لا يتوقف عند إزالة المشكلة المطروحة على الطاولة، بل يميط اللثام عن الفرص المحتملة التي يمكن استغلالها استغلاً مشتركاً. من منظور البحث عن الفرص يصبح التفاوض تفاعلاً إبداعياً هادفاً إلى أكثر من مجرّد إزالة المشكلة.
تذكّر:- إن النظر إلى التفاوض كأداة حل للمشكلات لا غير يمحو إمكانية التسامي عن حدود المشكلة واستخدامها كحافز لتوليد اتفاقات جديدة مولّدة لقيمة إضافية.

- النظر إلى التفاوض كأداة استكشاف للفرص يلزم المتفاوضين بمقاومة انغلاق الأفكار المبكر، وبالتفكير المنطلق خارج الأطر التي تعوّدوا العمل ضمنها.

- بينما ينصرف منظور حل المشكلات إلى التعامل مع ما كان (في الماضي) أو مع ما يجري (في الحاضر) يركّز منظور التنقيب عن الفرص على ما لم يقع حتى الآن (المستقبل).

إن التفاوض ليس تصليحاً للماضي أو الحاضر بل هو في جوهره بحثٌ عن أين وكيف يمكننا العيش والازدهار في المستقبل.
7- التفاوض عملية معمّرة متكرّرة وليست حدثاً عابراً منقطعاً:بغضّ النظر عن الاستثناء الوحيد ربما (شراء المسكن أو بيعه) فإن التفاوض في كل الأحوال يبقى عمليةٌ معمّرة. في معظم التعاملات في دنيا الشركات نادراً ما تجدُ التفاوض بين الأطراف ينتهي مرةً واحدة، بل هناك عنصر استمراريّة نجده في كل الأحوال مثل: تقييم أداء أطقم العمل، أو الدخول في تعاقدات مستقبلية، أو مفاوضة الرواتب والأتعاب...إلخ

ما يعنيه الكلام السابق أساساً هو أن المفاوضين يحتاجون إلى الوعي الدائم بأهمية أن لا تؤدّي طريقة مفاوضاتهم الحاضرة إلى الإضرار بالمفاوضات الآتية مستقبلاً.

قد يجدُ المرء في مفاوضةٍ معينة أن افتراس الطرف الآخر متاحٌ ومحقق لمصالحه تماماً ولكن لا! إذ ينبغي على المرء أن يدرك أيضاً أن هذا الطرف المستضعف الآن لن يوفر فرصةً للانتقام المضاعف في المفاوضة الآتية لا محالة. إن المكسب المنجز بتجاهل حقيقة أن الفريقين سيلتقيان على طاولة التفاوض مستقبلاً سرعان ما يصبح عبئاً ثقيلاً.

حتّى يحقق التفاوض مزيداً من الربح الحقيقيّ فإنّه لا بدّ من أن يبقى كل المتفاوضين واعين على الدوام لتأثير إستراتيجياتهم وتكتيكاتهم على العلاقة بين الأطراف المتفاوضة. إنّ هذا الوعي الدائم يمنع المفاوضين من افتراس الطرف الآخر ويجعلهم يقدّرون ما تحمله هذه الخطوة من تدمير ثقة ذلك الطرف بهم وجعله في مواجهات المستقبل أشدّ شراسةً لاستعادة ما سلب منه دون إنصاف.
تذكّر:- معظم المفاوضات عمليات معمّرة أو متكررة، وينبغي أن تعامل كل لقاءات التفاوض في ضوء هذا الاعتبار.
- ضحايا اليوم المسحوقون سحقاً حتى العظم هم خصوم الغد الأشد شراسة فاصنع منهم قدر ما تشاء!
- حصّن نفسك من شهوة سحق الخصوم حتّى العظم واسأل نفسك على الدوام: ماذا يمكننا أن نحقق معاً؟
- التفاوض ليس مسألةً مشكلةٍ في الماضي أو الحاضر بقدر ما هو مسألة البحث عن كيف ومتى وأين يمكن للفرقاء العمل معاً لتوليد قيمةٍ مضافة للجميع.
على طاولة التفاوض أنت قويّ بقدر ما لديك من معلومات:بمقدار ما لدى المفاوض من معلومات عن القضية المطروحة وعن الأطراف الذين سيفاوضهم ستكون قويةً قاعدة تأثير ذلك المفاوض.

وبالنظر إلى العلاقة القوية جداً بين توفر المعلومات المناسبة وبين القوّة التفاوضية فإنّ دخول أيّ تفاوض دون القيام بالبحوث اللازمة لن يكون في معظم الأحوال إلاّ مغامرةً حمقاء.

بيّنت الدراسات بجلاء أن نحو خمسةٍ وسبعين في المئة من كلام المفاوضين المخضرمين المتميّزين إنّما يصدر في صيغٍ استفهامية تستدعي المعلومات. والسبب وراء هذا التركيز على الاستفهام هو أنّه الطريق إلى تقوية المشاركة والارتباط مع الطرف الآخر، وإلى تحصيل المعلومات، في حين أن استخدام البيانات التقريرية يعطي نتائج معاكسة. إن نبرة وصيغة الاستفهام تجسّد للطرف الآخر الرغبة في الإصغاء لوجهة نظره وبالتالي تولّد مناخاً يشعره بالراحة والاطمئنان إلى البوح باهتماماته، وإلى الإصغاء الجادّ لاهتمامات الطرف المقابل.
تذكّر:- المعرفة قوة على أيّ طاولة تفاوض
- إن المفاوضين الذين ينفقون الوقت والجهد في التنقيب والدراسة للمعلومات التي يمكن أن تلزمهم أثناء التفاوض سيكون بمقدورهم التقدم إلى التفاوض بثقة وكفاءةٍ أكبر لا تكاد تتاح لمن يؤجّلون التفكير في الأمور إلى لحظة المواجهة الفعلية.
- السؤال مفتاح العلم، وهو كذلك وسيلةٌ للتعبير عن إرادة التواصل والتفاهم. إن تبنّي الأسلوب الاستعلاميّ يحمي المتفاوضين من انغلاق الأفكار المبكر ويبقي الافتراضات المسبقة عرضةً للتمحيص والمراجعة.
- الأسئلة هي المصابيح التي تظهر أو تؤسّس على ضوئها الأرضيات المشتركة.
- إن لم يكن ممكناً طرح سؤال فابق صامتاً وانتظر الطرف الآخر حتى يملأ هذا الفراغ الشائك.
- تابع الملاحظات والتعليقات بسؤال على الفور.
9- التأطير framing عاملٌ حاسم في نتيجة التفاوض
كيف تقول وكيف تريد أشدّ أهميةً من: ماذا تقول وماذا تريد
ينبغي على كل متفاوض التنبّه إلى أن صنّاع القرار –وكل البشر- يتأصّل فيهم الميل إلى تناول احتمالات الربح بطريقةٍ تختلف عن تناول احتمالات الخسارة. عندما يطلب من أحد البشر التفكير في المكاسب المحتملة فإنّك تراه أكثر نزوعاً إلى تجنّب المخاطرة، تراه ينشد حصيلةً مضمونة. وعلى العكس من ذلك ترى صانع القرار أكثر إقبالاً على اقتحام المخاطرة عند دراسة الخسائر المحتملة والسعي إلى تجنّبها.

لأنّ الخسائر تبدو في عين الناظر أكبر مما هي عليه في الواقع، والمكاسب تبدو أصغر، فإنّ طريقة صياغة المفاوض لأسئلته وكل تعابيره تصبح مهمةً جداً في تشكيل التصورات وتقرير النتائج.

ما يعنيه هذا في عالم الممارسة الواقعية هو وجوب أن يكون المفاوض شديد التحسّس والانتباه لاحتمال أن يثيرَ الإطار السلبيّ (الخسارة المحتملة) سلوكَ هلع ومخاطرة مدمراً لدى الطرف الآخر.

وأن يلاحظ دور الإطار الإيجابيّ (المكسب المحتمل) في تشجيع الطرف الآخر على اتباع مسلكٍ أكثر هدوءاً والسعي نحو حصيلة مرضية للطرفية.
- الخوف من خسارة العسل يحرّكنا أكثر من الإغراء بههناك مجموعةٌ معتبرة من الدلائل تشير إلى أن معظم الأشخاص تحرّكهم الخسارة أكثر مما يحرّكهم الربح. وبسبب ذلك فإنّ أيّ مفاوض يتوقّف عند إخبار الطرف الآخر عن المكاسب التي يحتمل جنيها من التعاون معه ولا يمضي إلى إخباره عمّا سيفوته نتيجة عدم التعاون إنّما هو مفاوض متهوّر مهمل يتخلّى عن الفرص بنفسه.

رطل أملٍ في الربح يحرّك قطار التفاوض إلى الأمام ذراعاً، ورطل خوف من الخسارة يحرّكه ذراعين.
تذكّر:- وضع عملية التفاوض في إطار السعي إلى المكاسب يقلّص احتمالات تبنّي الطرف الآخر سلوكيّات مخاطِرة مهدّدة بتخريب المفاوضات.
- جعل الطرف الآخر يقفون موقفك ويشعرون بما تشعر به سوف يشجّع رؤيتهم للمفاوضات كما تراها وبالتالي يمكن أن يغيّر مواقفهم.
- الأسئلة أدوات ممتازة لتحقيق إطارٍ مشترك بين الأطراف المتفاوضة.
- قابل الأطر السلبية بتوفير أكبر عددٍ ممكن من الخيارات أمام الطرف الآخر فتحوّله من وضعية اتخاذ القرار إلى وضعية المفاضلة والاختيار بين البدائل المقترحة.
- احذر كل الحذر من ردة الفعل المفرطة تجاه المطالب المقدّمة في أطر سلبية باكراً لدى بداية التفاوض. بدلاً من ذلك ركّز على مواجهة تلك المطالب المؤطّرة سلبياً باستكشاف ومكافأة الخطوات الإيجابية.
10- الائتمان والاعتمادية هي ركائز اتفاقات الربح الإضافيّ للجميعفي زحمة دنيا الأعمال التي لا تهدأ أمواجها وعواصفها، كثيراً ما ينسى المفاوضون أو يؤخّرون ترسيخ مصداقيتهم واعتماديتهم وتنمية علاقات الثقة. إنك تراهم منصرفين إلى المحتوى ولا يكادون يلقون بالاً إلى عناصر السياق المحيط بالتفاوض. لا همّ لهم في لحظتهم الحاضرة سوى معرفة من أين تؤكل الكتف والتلذّذ بغنيمة المفاوضات تحت أسنانهم ناسين أن ذلك لن يكون ممكناً في الحقيقة إلاّ في مناخٍ ملائم يشجّع الطرف الآخر وييسّر تعاونه.

حتّى يمكن النجاح في الاختبار النهائي الحاسم لأي عملية تفاوض –أي اختبار صمود الاتفاق المنجز- لا بد من أن تكون بداية المتفاوضين هي ترسيخ المصداقية ثم بناء العلاقة، وبعد ذلك الدخول في تفاصيل التفاوض. إن هذا الترتيب يخلق إطاراً يشعر الطرف الآخر ضمنه بالطمأنينة والاستعداد للتزحزح عن مواقعهم والبوح بما في داخلهم للمضيّ في تفاعلٍ باحثٍ عن الفرص المشتركة.

عندما تشكّك الأطراف في مصداقية بعضها البعض ولا يأتمن أحدها الآخرين فإنّهم جميعاً لن يكونوا قادرين على احتمال الحدّ الأدنى من الانكشاف الذي تحتاجه المفاوضات الإبداعية البنّاءة. وهكذا ستكون الخسارة محور اهتمامهم وسيكونون أكثر عرضةَ لاتخاذ مواقف الدفاع الشرس المتأهب، وانغلاق الأفكار.

إنّ قانون التبادل في دنيا السلوك البشري ينص على أن المفاوضين الطامحين إلى رؤية الأطراف الأخرى تتزحزح عن مواقفها المسبقة لا بدّ لهم من أن يبادروا هم لإظهار الاستعداد لعرض مواقفهم عرضاً صريحاً يؤسس الثقة ويهيّئ الطرف الآخر للخروج من متراس مواقفه المسبقة.
تذكّر:- الثقة تقوم على أن تقول ما تضمر وأن تنفّذ ما تخبر.
- الثقة تزيل خوف الأطراف من الافتراس الماحق على طاولة التفاوض.
- المشاهدة تبني الثقة.
- المصداقية أساسُ الإقناع الفعّال.
- إن أسلوب المطالبة الصلب الملحّ الكاسح لا يؤدّي في معظم الأحيان إلاّ إلى تجسيد العقبة التي ينبغي على الطرف الآخر استهدافها.

ليست هناك تعليقات: