الأحد، 26 يوليو 2020

هذا الحبيب (17)

هذا الحبيب (17)
(حليمة السعدية، الجزء الثاني)
أخذت حليمة النبي صلى الله عليه وسلم، ورجعت الى رحلها.. 
تقول: وكنت قد أتيت الى مكة على أتان (أي أنثى الحمار) كانت هزيلة ضعيفة، وكان معنا ناقة، والله لقد جف ضرعها.
فكانت تركب على هذه الحمارة وهم ذاهبون لمكة..
تقول حليمة: فكانوا يسبقوني، وأتاني (أنثى الحمار) التي أركبها لا تستطيع أن تلحق بهم!
فيقولون: يا حليمة، يا حليمة قد أعييتِ الركب (أي أسرعي قليلاً، فقد تأخرنا جميعاً، تعبنا منك بسبب سيرك البطيء)
تقول حليمة: فلما أخذت محمداً، ورجعت به الى راحلتي، عرضت عليه ثديي، وما كان في صدري ما يشبع إبني (عبد الله أخو النبي في الرضاعة، كان لا يرتوي من حليب أمه حليمة) فلا ننام الليل من بكاءه، فلما وضعت محمداً في حجري، وعرضت عليه ثديي الأيمن، اهتز صدري وانفجر فيه اللبن.
فشرب حتى ارتوى (صلى الله عليه وسلم) ففرحتُ، فأعطيته ثديي الآخر فلم يأخذه (وكأن الله عز وجل، ألهمه أن له شريك في هذا اللبن، فأخذ واحداً وترك الآخر لأخيه عبد الله، لأنه صلى الله عليه وسلم جاء بالعدل، فإن لم يعدل محمد رسول الله، فمن يعدل؟)
تقول حليمة: فلم يأخذ الثاني طوال سنتين. 
قالت: فوضعت إبني على الثاني، فرضع وشبع.
____
ثم قام زوجي أبو كبشة الى الناقة (الناقة التي معهم ضرعها قد نشف، ليس فيها حليب)
فقام إليها وإذا ضرعها قد امتلأ باللبن! 
 فقال أبو كبشة لحليمة وهو يضحك من الفرح: يا حليمة؛ ألم أقل لك إن هذا الصبي بركة؟
فحلبها وشربنا ونمنا بخير ليلة..
في الصباح، تجهز القوم للسفر ليعودوا لديارهم، ديار بني سعد (المسافة من مكة لديار بني سعد، حوالي 150 كم، منطقة جبلية ومرتفعة عن سطح البحر، جوها لطيف)
تقول حليمة: ركبت الأتان (الحمارة) والتي كانت من النحافة لدرجة أن أقدامها تضرب بعضها ببعض عندما تمشي لدرجت أنها جرحت نفسها.. 
 تقول: فلما ركبت وحملت محمداً معي، إذا بها انطلقت وكأنها تسابق الركب! 
وصاحباتي يقولون: يا حليمة، يا حليمة، أتعبتينا في طريقنا الى مكة، ونحن ننتظرك لتلحقي بنا 
والآن أتعبتينا ونحن نلحق بك. 
أليست هذه أتانك (الحمارة) التي أتيتِ بها من ديارنا؟
فترد عليهم حليمة: بلى هي! 
يقولون لها: قولي لنا، ما شأنها ما الذي حلّ بها (أي ما قصتها)
تقول: لا أدري 
فيقولون لها: فعلاً إن أمرها لعجيب (كانت ضعيفة جداً؛ ما الذي جعلها بهذه القوة)
(ذلك ببركة نبيكم وحبيبكم محمد صلى الله عليه وسلم)
______
حتى اقتربوا من سوق عكاظ (كانت قبائل العرب تجتمع في هذا السوق للتجارة، وتعرض بضاعتها، وتبدأ كل قبيلة تلقي الشعر والقصائد بمدح قبائلهم ويتفاخروا، فيعكظ كل واحد على الآخر بالشعر، أي يتفاخر، لذلك كان هذا سبب تسميته سوق عكاظ)
طبعاً كل منطقة تجارية، من الذي يتواجد فيها دائماً؟
(اليهود طبعاً، فاليهود إذا بحثت عنهم، تجدهم عند المال، هم أهل المادة، سياستهم مسك العصب الرئيسي للاقتصاد)
لما نظر أحبار اليهود لقافلة بني سعد قادمة من بعيد، عرفوا أن هذه القافلة تحمل رسول الله!
كيف عرفوا؟

هذا الحبيب (16)

هذا الحبيب (16)

(حليمة السعدية الجزء الأول)

صرف الله عز وجل، كل المراضع عنه صلى الله عليه وسلم، إلا (حليمة السعدية)

تقول حليمة:

والله ما بقي من صواحبي (يعني صاحباتي) امرأة إلا أخذت رضيعاً غيره، وأنا لم أجد غيره، فكرهت أن أرجع من غير رضيع (حليمة السعدية، وزوجها أبو كبشة، الذي يقرأ السيرة ويتعمق فيها، يدرك أنهما كانا طيبين، وحظهم في الدنيا قليل، ولكن الله إذا أعطى أدهش)

_____

فعزمت حليمة السعدية على أخذ هذا اليتيم، ولم تكن رأته بعد

تقول حليمة: فذهبت الى عبد المطلب، فاستقبلني

قال: من أنتِ؟

قلت: حليمة السعدية

فقال: بخٍ بخ، سعد وحلم، خصلتان إذا اجتمعتا، ففيهما خير الدهر وعز الأبد (تفاءل باسمها)

يا حليمة عندي غلام يتيم، وقد عرضتهُ على نساء بني سعد فأبين أن يقبلن، فهل لك أن تُرضعيه، فعسى أن تسعدي به؟

فقلت له: حتى أسال صاحبي (أي زوجها، أبو كبشة)

تقول فرجعت فسألت زوجي، فتهلل وجهه وأشرق، وكأن الله قذف في قلبه الفرح والسرور

فقال لي: نعم يا حليمة خذيه، ماذا تنتظرين؟

فرجعت الى عبد المطلب فوجدته جالساً ينتظرني، فاستهل وجهه فرحاً عندما رآني.

ثم أخذني وأدخلني على آمنة، فرحبت بي وقالت: أهلاً وسهلاً، تفضلي بالدخول.

تقول حليمة: فدخلت في البيت الذي فيه محمد..

فلما نظرت إليه!

(فإذا هو مُغطى في صوف، أبيض من اللبن، يفوح منه المسك، وتحته حريرة خضراء نائمٌ على ظهره، فأشفقت أن أوقظه لحسنه وجماله)

تقول حليمة: فاقتربت منه رويداً رويداً، ووضعت يدي على صدره..

فلما وضعت يدي، تبسم، ثم فتح عينيه، ونظر إليّ،

فخرج من عينيه نور دخل عنان السماء، فما كان مني إلا أن حملته وضممته وقبّلته، ثم أخذته ورجعت الى رحلي.

______

 تقول حليمة: فحملته وكان معي أخوه (أي تقصد ابنها الذي ولدته واسمه عبد الله، أخو النبي صلى الله عليه وسلم، من الرضاعة)

ثم.. أعطيت إبني لأبيه أبا كبشة (أي زوجها)

وكنت قد أتيت الى مكة على أتان (أي انثى الحمار) كانت هزيلة ضعيفة، وكان معنا ناقة، واللهِ لقد جف ضرعها  (حتى الناقة التي مع حليمة ليس فيها حليب، وكانت سنة جفاف)

يتبع إن شاء الله..


هذا الحبيب (15)

هذا الحبيب (15)

إلتماس المراضع له صلى الله عليه وسلم

تشرف الكون بسيدنا {محمد صلى الله عليه وسلم} وأرضعته أمه سبع أيام على التوالي.. ثم التمس له المراضع.

____

لماذا التماس المراضع؟

كان من عادة قريش أصحاب السيادة (أي الذين يملكون المال)

يحبون أن يتربى أبناؤهم خارج مكة (تقريباً مثل أيامنا هذه، الذي يملك المال، يضع أولاده في أفضل، مدرسة خاصة)

فلم يكن يسترضع في مكة كلها، إلا الأغنياء وأصحاب السيادة.

وذلك لثلاثة أسباب:

(1) يخافون على أولادهم من وباء مكة في مواسم الحجيج.

(كان يأتي ناس كثير للحج، والتجارة من شتى البلاد، ومنهم من يحمل الأمراض المعدية معه، فيخافون على أطفالهم الرضع، من انتقال الأمراض، فالكبار يستطيعون التحمل، أم الرضع فلا)

فكانوا يحبون أن يربى الولد في أول عمره، في البادية عند الهواء النظيف والبيئة النقية، وعندما يكبر ويشتد عوده، يرجع إلى أهله.

(2) اللغة العربية في مكة لم تكن بتلك الفصاحة المطلوبة.

(كان أهل البادية في ذلك الزمن مشهورون بفصاحة اللسان، فكانت اللغة العربية عندهم أكثر فصاحة) فيتعلم الطفل الصغير، فصاحة اللسان من صغره.

 (وجاء زمن أصبح أكثر اهتمامنا تعلم لغة الغرب، الذي هو فعل جيد لا أحد يُنكره، فمن تعلم لغة قومٍ أمن مكرهم، ولكن لا يعني ذلك أن نهمل لغتنا لغة القران، ونجعلها وراء ظهورنا)

(3)  أسياد مكة كانوا يحبون من الزوجة أن تتفرغ لزوجها وتتزين له، لأنه من الأشراف ولا تنشغل عن زوجها بالرضاعة والحضانة.

وربما يسأل أحدهم: إذا كان ذلك أحد الأسباب، فالنبي صلى الله عليه وسلم، ولد يتيماً، ولا يوجد لآمنة زوج، لكي تتفرغ له؟

(السبب لأن جده عبد المطلب، لم يرض بنقص قدر هذا المولود اليتيم، أمام بقية الأولاد في مكة، وأراد أن يجبر خاطر آمنة وقلبها، ولو كان يتيماً يا آمنة، فإن محمداً، سيسترضع مثله مثل أبناء الأشراف ولن ينقص عليه شيء صلى الله عليه وسلم)

_____

(المراضع:) هم نساء، كانوا يأتون من البادية لمكة مع أزواجهم في العام إما مرة أو مرتين.

فجاء قوم من بني سعد (هم أهل حليمة السعدية مرضعة الحبيب صلى الله عليه وسلم)

يريدون رؤية أطفال رضع في مكة، من يطلب مرضعة حاضنة، يطوفون بين أسياد قريش، ويسألون: هل منكم من يريد مرضعة؟

هل منكم من يحب أن نحتضن ولده؟

فلم يبق منهم مرضعة إلا عُرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم

فيسألون: من أبو هذا الصبي (يريدون رؤية أباه، فالأب هو الذي سيدفع لهم المال)

فيقال لهم: أبوه عبد الله، مات وأمه حامل به!

فتتغير ملامحهم ورغبتهم في حضانته، ويقولون: لا رغبة لنا، لعلكم تجدون غيرنا، ثم ينصرفوا

(لأنهم يريدون الأجر والكرم من والد الصبي، صحيح أن جده عبد المطلب شيخ مكة، ولكن المعروف لدى الجميع أن الكرم الأكثر يكون من الأب)

ومهما كانت الأسباب..

إنها إرادة الله عز وجل، أليس هذا محمد صلى الله عليه وسلم {حبيب الله}، ألم يخبره   بمنزلته عند رب العالمين {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}

نترك الأسباب، وننظر الى إرادة المسبب، فالله عز وجل سبحانه، صرف كل المراضع عنه، إلا حليمة السعدية!

يتبع بإذن الله..


هذا الحبيب (14)

هذا الحبيب (14)
الأحبار والرهبان، يوم مولده صلى الله عليه وسلم
حملهُ عبد المطلب، حتى وصل الكعبة، وفُتِح لهُ بابها، ودخل إليها وهو يحمله، ثم خرج وطاف فيها، وهو مسرور ويردد ويقول: 
(الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام، أعيذه بالبيت ذي الأركان من كل حاسد)
ثم رجع الى آمنة، أعطاها إياه 
وقال لها: إحرصي عليه 
ثم انطلق عبد المطلب مسرعاً الى الراهب النصراني (عيص) يستوثق منه.
_____
أهل الكتاب، الأحبار والرهبان، في شهر مولده كلهم كانوا منتظرين مولده، وعندهم علامات ظهور نجمه وصفاته، وأن مولده في مكة 
فلم يكن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم مفاجأة.. بل علم به الكثير من أهل الكتاب 
الرهبان: (علماء الدين النصارى)
الأحبار: (رجال الدين اليهود)
عندنا في الإسلام، لا يوجد شيء اسمه رجال دين
فليس منا إلا عالم أو متعلم 
ليس عندنا ترتيب هرمي في الإسلام يشبه الرتب العسكرية
في الإسلام (رُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه)
عندنا في الإسلام (بدويّ يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جالس على الأرض مع الناس فيسأل: أيّكم محمد؟)
في الإسلام ليس هناك واسطة بينك وبين الله 
(وإذا سألك عبادي عَني فإني قريب أجيب دَعوة الداعِ إذا دَعان)
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فذهب عبد المطلب يستوثق من الراهب النصراني (عيص) عن هذا المولود، لأنه كان يرجو أن يكون لهذا المولود شأن عظيم.
من هو الراهب عيص؟
رجل جاء من بلاد الشام الى مكة، راهب من النصارى، وسكن في طرف مكة في صومعة، واسمه (عيص)، وكان هو المرجع الوحيد في علم النصارى في ذلك الوقت.
عندما اقترب مولد النبي صلى الله عليه وسلم، جاء لمكة ينتظر مولده.
سكن عيص في أطراف مكة، فكان يدخل مكة كل فترة من الزمن، ويجلس في أندية قريش 
(قلنا إن الأندية كانت حول الكعبة، مجالس يجلس فيها الرجال، فيها يجتمعون ويتحدثون)
فيدخل الراهب عيص في أندية قريش، وأسواقها ويسأل..
يقول: يا معشر قريش، هل ولد فيكم مولود؟
وله من الصفات كذا وكذا!
فيقولون له: يا عيص، الذي تصفه لم يولد بعد!
فيقول لهم عيص: ورب موسى وعيسى، ما تركتُ بلاد الخمر والخمير (يقصد بلاد الشام وخيراتها) وجئت هنا، إلا في طلب هذا المولود، فإن هذا زمن خروجه.. 
يولد في بلدكم (أي مكة)، هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وبه تُختم الشرائع 
من أطاعه فقد اهتدى، ومن عصاه فقد خاب وخسر. 
(فكان كل فترة يمر ويسألهم، فيقولون له ولد فلان وفلان، ويعطونه أوصافهم، فيقول لهم: لا لا ليس هو)
_____
ففي اول يوم من مولدهِ صلى الله عليه وسلم وفي صبيحة ذلك اليوم، لما ولد صلى الله عليه وسلم، وأخذه جده وطاف به بالكعبة ورأى صفات المولود، ورجع أعطاه لأمه، وأوصاها عليه، هنا تذكر عبد المطلب الراهب عيص فأراد أن يذهب إليه ويستوثق منه الخبر .
_____
انطلق عبد المطلب مسرعاً، الى صومعة عيص، فعندما وصل للصومعة، أخذ ينادي عيص.. عيص 
فقال له عيص: كن أباه يا شيخ مكة..؟ 
فقال عبد المطلب مستغرباً: من؟!
قال عيص: لقد ولد الذي كنت قد حدثتكم عنه، وربِ موسى وعيسى إنه وجع يشتكي ثلاثة أيام ثم يعافى (أي هذا المولود قد أصابه بعض المرض)
احفظ لسانك يا عبد المطلب (أي لا تتكلم عنه لأحد)
فإنه لا يحسد حسده أحد (أي إذا علموا عنه شيئاً، فالناس الحاقدة ستسعى لأذيته ، وإذا وقع في مصيبة يتشمتون به)
وإياك واليهود، فيبغون عليه، كما بغوا على الانبياء قبله (أي اليهود معروفون أنهم قتلة الانبياء، فإذا سمعوا به اليهود قتلوه، كما قتلوا الانبياء قبله)
فقال عبد المطلب: يا عيص! لقد ولد لإبني =عبد الله المتوفى قبل أشهر ولد)
فقال عيص: هو ذاك يا عبد المطلب، هو ذاك، وربِّ موسى وعيسى 
 إنا لنجد في كتبنا أنه يولدُ يتيماً، فاحفظ لسانك واحرص عليه.
____
توجد أخبار كثيرة عن الأحبار اليهود والرهبان من النصارى بمعرفتهم، في يوم مولدهِ وصفاته ولكن نكتفي بقصة الراهب (عيص) ويكفينا قوله تعالى فيهم: 
(الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (13)

هذا الحبيب (13)
يوم تشريفه لهذا الوجود، صلى الله عليه وسلم
_____
فلما وصل عبد المطلب، ونظر للرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا به كالبدر، ثم نظر إلى صفاتهِ.. 
(وكما قلنا من قبل أنه كان يسمع من أهل الكتاب، في سفره، عن صفات نبي آخر الأمة)
فلما رآه، هنا أيقن أن هذا المولود، سيكون نبي هذه الأمة..
فحمله عبد المطلب، ورفعه للأعلى، يريد أن يعلن اسمه، 
قال: يا آمنة 
فرفعت آمنة يدها *(بمعنى انتظر يا شيخ مكة، لا تُعلن اسمه)
قالت آمنة: يا شيخ مكة، لقد ولد ... لا كما يولد الصبيان 
ولد ساجداً إلى الأرض، معتمداً على ركبتيه ويديه، ينظر الى السماء، مختوناً، يفيح منه المسك 
وقد هتف لي هاتف مرة أخرى عند ولادته، يا آمنة سميه (محمد) 
فابتسم عبد المطلب مندهشاً مسروراً، وارتسمت السعادة على وجهه 
قال: أي ورب البيت، فلقد عزمت أن أسميه (محمداً)
قالت: ولِم يا شيخ مكة، عزمت على هذا الاسم؟!
قال: يا آمنة، لقد رأيتُ رؤيا في منامي، فسألت أهل الرؤى عنها فقالوا لي: يخرج من صُلبك رجلٌ، يطيعهُ أهل السماء والأرض، فإني أُحب أن أسميه محمداً رجاء (أن يحمده من في السماء وأن يحمده الناس على الأرض)
فأعلن اسمه محمد صلى الله عليه وسلم
_____
فدخلت ثويبة (ثويبة كانت جارية لأبي لهب، وكانت تسكن قريبة من بيت آمنة)
 فلما سمعت الخبر، انطلقت على الفور مسرعة وهي تنادي، يا أبا لهب، يا أبا لهب 
(كان لقبهُ أبو لهب، قبل ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم، اسمه الحقيقي (عبدُ العُزى) ولقبه أبو لهب، لأنه كان شديد الجمال، وكانوا يرون وجهه كأنه طلعة الشمس ولهبها، ولكن لم ينفعه جمالهُ لعدم إيمانهِ بالله)
فقال أبو لهب: ويْحك يا جارية، ما الأمر؟!
قالت: ولِدَ لأخيك عبد الله مولود 
قال: يا جارية أحقاً ما تقولين؟!
قالت: نعم، إي وربّ البيت، وقد سماهُ أبوك (أي عبد المطلب) سماه (محمداً)
فقال لها من شدة فرحه، وأنتِ حرةٌ طليقة يا ثويبة!
(فأعتقها وأصبحت حرة)
______
لا أحد يستطيع وصف فرح ثويبة في تلك اللحظة، إلا أنها من شدة فرحها بالعتق، انطلقت مسرعة إلى آمنة، وقالت: يا آمنة؛ أعتقني أبو لهب بسبب هذا الصبي 
 ثم حملته وضمته إلى صدرها (صلى الله عليه وسلم)
 ثم قالت يا آمنة هل تسمحي لي أن أرضعه؟ فسمحت لها
فأرضعته ثويبة، فكان أولُ لبن دخل فمه صلى الله عليه وسلم لبن ثويبة.
_____
فأول مرضعة للرسول صلى الله عليه وسلم كانت.. ثويبة 
 أرضعته من لبن ابنها (مسروح) فمسروح أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة 
وأرضعت ثويبة أيضاً سيد الشهداء (حمزة بن عبد المطلب) عم النبي صلى الله عليه وسلم
 فكان حمزة، عم النبي وأخو النبي من الرضاعة.
كان قريباً في العمر منه في سن الرضاعة، وكان حمزة قد سبق الرسول بسنتين من العمر 
كما أنه قريب له من جهة الأم، فأمه هالة بنت وهيب، ابنة عم آمنة أم الرسول صلى الله عليه وسلم.
لذلك عندما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم الزواج من ابنة حمزة، قال (لا تحل لي، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وهي ابنة أخي من الرضاعة)
______
ثم أرضعته أمه آمنة (أرضعته أمه سبعة أيام على التوالي.. وليس كما يقول بعض الجاهلين، رفض أن يرضع من أمه فهذا الكلام مكذوب..) 
أرضعته أمه سبعة أيام لبن اللِبان.. (حليب اللبان تعرفه النساء، يعطي المناعة للطفل والصحة)
ثم أرضعته (حليمة السعدية) التي سيأتي ذكرها بالتفصيل 
____
وبعد أن أعلن عبد المطلب عن اسم المولود وسماه (محمد) صلى الله عليه وسلم، حمله وانطلق به باتجاه الكعبة، وهو مسرور مشرق الوجه قد فرح فرحاً لم يفرح مثلهُ من قبل..
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (12)

هذا الحبيب (12)
❤ مولد الحبيب صلى الله عليه وسلم ❤
______
ولد صلى الله عليه وسلم، وتشرف هذا الكون، بأطهر مخلوق وأشرفهم عند ربِ العالمين 
في صباح يوم الإثنين {ربيع الأول}
ما الحكمة في أنه ولد في شهر الربيع؟
لماذا لم يولد في رمضان وهو أشرف الشهور؟
ولماذا لم يولد في الأشهر الحرم؟
ولماذا لم يولد يوم الجمعة؟
{لأن الشهور والأيام هي التي تتشرف بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يتشرف هو بالأيام}
فلو كانت ولادته في رمضان أو الأشهر الحرم لقال الناس: بورك فيه بفضل تلك الأيام 
[ولكن رسولنا صلى الله عليه وسلم أشرف من تلك الأيام، فالأيام والشهور هي التي تتشرف في ولادته، لذلك كان شهر ربيع الأول من الأشهر المباركة] حتى عندما يُذكر اسم الربيع، تطمئن القلوب والنفوس له.
_____
كانت ولادته، صلى الله عليه وسلم، أول ساعة من النهار 
[قالوا عند الفجر، والبعض قال عند الضحى أول ما تظهر الشمس]
آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم، هي التي ستخبرنا ما حدث معها عند الولادة، عن طريق الصحابية الجليلة {شفاء} رضي الله عنها
[شفاء هي أم الصحابي الجليل (عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنه، وكانت من الأوائل الذين أسلموا، وهي القابلة التي وقفت مع آمنة أثناء الولادة]
_____
تقول آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم: 
أخذني ما يأخذ النساء [تقصد الطلق]
ولم يكن عندي أحد، ولم يعلم بي من أحد [كانت وحيدة في البيت] 
تقول: فسمعت جبّةً عظيمة [مثل شيء ضخم وقع على الأرض وأصدر صوتاً عظيماً]
فخِفت، فسمعت صوتاً بعده أكبر من الذي قبله، فزاد خوفي
ثم رأيت نوراً في المكان خرج منه كجناح أبيض 
 ورأيت كأن رجالاً قد وقفوا في الهواء وبأيديهم أباريق من فضة 
فأخذني المخاض [بدأت الولادة]
فخرج مني نور أضاءت له قصور الشام 
فكشف الله عن بصري فرأيت مشارق الأرض ومغاربها 
فدخلت عليها {شفاء} رضي الله عنها
تقول شفاء: فنزل صلى الله عليه وسلم من أمه لا كما ينزل الصبية [شفاء عندها خبرة، فهي التي كانت تولّد نساء مكة، فهي تعرف أن المولد عندما ينزل، ينزل من رأسه للأسفل]
تقول شفاء: نزل معتمداً على ركبتيه وكفيه، ساجداً ينظر بطرف عينه للسماء كالمتضرع المبتهل لله 
ثم 
تقول شفاء: فحملته، ونظرتُ الى وجهه، وإذا به كالقمر ليلة البدر يتلألأ نوراً
وريحه ريح كالمسك يسطع منه، فأردت أن أصنع له ما يُصنع للمولود، فإذا به لا يحتاج لشيء، مقطوع السرة..
[أرادت شفاء أن تقطع الحبل السري، وتنظفه مثل أي مولود] 
تقول شفاء: كان مختوناً [مطهر طهور الأطفال]
مختوناً، نظيفاً مطيباً، ريحه المسك، مكحل العيون 
_____
تقول شفاء: فما كان مني إلا أن ألبسته ثيابه وأعطيته لأمه 
[لأنه ليس بحاجة لشيء صلى الله عليه وسلم]
يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم عن نفسه: 
{إِنِّي دَعْوَة أَبِي إِبْرَاهِيم، وَبِشَارَة عِيسَى بِي، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ}
____
وُلد {المصطفى صلى الله عليه وسلم وتشرف الكون بولادته}
وأرسلت آمنة الى جده عبد المطلب، على الفور وكان عند الكعبة، أنه قد ولد لك مولود فتعال فانظر إليه، فلم سمع الخبرَ عبدُ المطلب، انطلق مسرعاً إليها مسروراً مندهشاً تغمره السعادة، 
ولد لابني عبدُ الله الذي توفى قبل شهور مولود، 
فلما وصل عبد المطلب ونظر للرسول صلى الله عليه وسلم..
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (11)

هذا الحبيب (11)
حادثة أصحاب الفيل، الجزء الثاني
جهز أبرهة جيشه، وانطلق به في اتجاه الكعبة، وكان من تجهيزات هذا الجيش (الفيلة والخيل والجمال)
تقدم أبرهة بجنده، وكان يركب على فيل عظيم، وأمر جنده أن يتبعوه.
كان الطريق الى مكة طويلاً، فكان كلما مر على قبيلة من قبائل العرب، بعث فرقة من جنده وأغاروا عليها، ينهب أموالهم وأغنامهم وإبلها (ليطعم جيشه الضخم، في الطريق)
بعض القبائل عندما سمعت بمسير أبرهة وجيشه، خافوا وهربوا وتركوا ديارهم، 
بعض العرب حاولوا قتاله، ولكنهم فشلوا، كان جيشاً قوياً ومنظماً..
وطبعا كحال أي زمان ومكان (بعضهم ساعدوه لينالوا رضاه)
_____
حتى وصل الى منطقة قريبة من مكة، فأقام فيها 
ثم أرسل فرقة من جيشه، فنهبت الإبل والأغنام لقريش، التي كانت ترعى في الجبال والشعاب 
(من ضمنها، إبلاً لعبد المطلب، جد الحبيب صلى الله عليه وسلم)
فلما علم أهل مكة بالأمر، اجتمعوا للتشاور، وكان الخوف الشديد يملأ بيوت مكة 
قالوا: لا طاقة لنا بأبرهة وجيشه (أهل مكة ليس عندهم جيش منظم ومدرب، والذي زاد خوفهم أكثر الفيلة الضخمة، التي تحمل الجنود)
ثم بعث أبرهة، رسولاً من عنده لأهل مكة، قال له: اذهب إليهم، واسأل عن سيد هذا البلد وقل له:
 (إن الملك يقول لك، إنه لم يأتِ لحربكم، وإنما لهدم هذا البيت، فلا تتعرضوا لنا للقتال، وأخلوا لنا المكان كي نهدم هذا البيت، فإن قالوا لك أنهم لا يريدون القتال، فأحضر لي سيدهم أتشاور معه)
فدخل رسول أبرهة مكة، وسأل عن سيد قريش 
قالوا له: عبد المطلب سيد مكة وشيخها 
فحضر عبد المطلب، فقال له الرسول ما أمره به أبرهة 
فقال عبد المطلب: واللهِ لا نريد حربه، وليس عندنا طاقة لحربه ولكن، هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم، فإن أراد الله منع أبرهة من بيته وحرمه منعه، وإن أراد أن يخلي بينه وبين بيته، فنحن لا طاقة لنا بقتال أبرهة.
فقال له الرسول: انطلق معي يا شيخ مكة، فالملك يريد مقابلتك.
_____
فذهب عبد المطلب لمقابلة أبرهة، فاستأذن للدخول عليه 
قال أبرهة: من هذا الذي يطلب الدخول؟
قالوا له: هذا عبد المطلب شيخ مكة، هو الذي يطعم الناس والطير والسباع، من كرمه وجوده، ويؤمّن الحجيج ويسقي الماء (فأعجب أبرهة بخصال عبد المطلب) 
فلما دخل عبد المطلب، وكان رجلاً طويلاً وعظيماً له هيبة وجمال. 
فلما رآه أبرهة، وثب واقفاً، ورحب به، وكان من عادة أبرهة يجلس على سرير ملكه، والناس تجلس تحته، فأراد أن يُجلس عبد المطلب بجانبه لشدة هيبته، وكره أن تراهُ حاشيته وهو يجلسه بجانبه.. 
نزل أبرهة عن سريره، وجلس على البساط وأجلسه معه الى جانبه.. 
ثم قال أبرهة لترجمانه‏:‏‏‏ قل له‏:‏‏‏ حاجتك‏‏‏؟‏‏‏ 
فقال له ذلك الترجمان، فقال‏‏‏:‏‏‏ حاجتي أن يرد عليَّ الملك مائتي بعير أصابها لي، 
فلما قال له ذلك، قال أبرهة لترجمانه‏‏‏:‏‏‏ قل له‏‏‏:‏‏‏ قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئتُ لهدمه، ولا تكلمني فيه‏‏‏!‏‏‏ 
قال له عبد المطلب‏‏‏:‏‏‏ إني أنا رب الإبل (أي صاحبها) وإن للبيت رباً سيحميه
قال ‏‏‏أبرهة:‏‏‏ ما كان ليمتنع مني (أي لا يستطيع رب البيت أن يقف بوجهي)
قال عبد المطلب له‏‏‏:‏‏‏ أنت وذاك (بمعنى أنت حر)
فأعاد له أبرهة الإبل، وأخذ يضحك ويقول: للبيت رب يحميه، للبيت رب يحميه، يضحك. 
______ 
رجع عبد المطلب لمكة واجتمع بقومه
 قالت له قريش: ما الحيلة يا شيخ مكة؟ (ما هو الحل)
 قال: لا حيلة لنا، لا نستطيع رد أبرهة ولكن الله يستطيع، فأصعدوا إلى رؤوس الجبال ولا تقاتلوا واتركوه هو ورب البيت.
ثم ذهب عبد المطلب للكعبة وأخذ بحلقة باب الكعبة وقال: إن المرء منا ليحمي رحله.. اللهم فاحمِ بيتك، دعا الله وهز الحلقة ثم قال لقومه اصعدوا إلى الجبال وانظروا ما يكون بين أبرهة ورب البيت، 
صعدوا وأخذوا يترقبون وينظرون.
مكة تترقب وكل العرب في الجزيرة العربية تنتظر أخبار أبرهة وهدمه للكعبة.. 
______
تجهز أبرهة هو وجنده لدخول مكة وهدم (الكعبة)
فلما وصل أبرهة للكعبة، وكان يركب على أعظم وأكبر فيل في الحبشة.. 
هذا الفيل كان إذا تقدم، تقدمت خلفه كل الفيلة، وإذا برك تبرك كل الفيلة، كانت الفيلة مدربة على إتباعه. 
فلما وصل هذا الفيل ورأى الكعبة، برك وبركت خلفه كل الفيلة 
فأداروا وجهه الى جهة اليمن فقام يجري وقامت كل الفيلة خلفه تتبعه، فوجهوه للكعبة فبرك للأرض ولم يتحرك.. 
فأمرهم أبرهة بضربه بالحديد فضربوه، فأبى الحركة، 
  فوجهوه راجعاً إلى اليمن، فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك. ‏‏‏
قال أبرهة: أسقوه الخمر كي يفقد عقله، لعله استجاب. 
فأسقوه الخمر ولكن من غير فائدة. 
فاشتعل أبرهة غضباً من الفيل وسلَّ سيفه وطعن الفيل بين عينيه فأراده قتيلاً
_____
وفجأة شعروا، بأشعة الشمس تنحجب..
نظروا فوقهم، وإذ هي طيور كالغمام الممطر قد حجبت ضوء الشمس من كثرتها، 
جاء أمر الله العلي القدير، جاء أمر مالك الملك 
(أيحسب أن لن يقدر عليه أحد)
طيور أبابيل (أبابيل: أسراب ضخمة من الطيور يلحق بعضها بعضا) 
يقول أهل مكة عن هذه الطيور: (لم نر مثلها من قبل ولا بعد، رؤوسها تشبه رؤوس السباع)
وكان كل طير يحمل ثلاثة أحجار: في منقاره حجر، وفي رجليه حجرين بحجم حبة العدس.. 
فجاءت حتى وقفت على رءوسهم، ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها.. 
فوقعت الحجارة عليهم، فكانت تنزل على رأس الرجل تخرج من دبره.. 
وبعث الله ريحاً شديدة فزادتها شدة.
 حتى جعلهم ربنا كما قال (كعصف مأكول) أي القمح لمّا تستخرج الحبة من البذرة منه وتتناثر القشرة هنا وهناك، فكل رجل كان يسقط عليه حجر يتناثر لحمه عن عظمه والدماء تسيل منه حتى يهلك.
حتى من هرب من الجند وقد أصابه الحجر كان على الطريق تتساقط أعضاؤه عضواً عضواً، حتى أصبحوا كابن الفرخ (الطير الصغير ليس له ريش)
هكذا حمى الله بيته (للبيت ربٌ يحميه)  
وكان بين حادثة الفيل ومولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم خمسون يوماً.. 
حمى الله البيت استعداداً لهذا المولود، ورجعت قريش وقد عرفوا عظمة الله وعظمة هذا البيت.
 وهنا أخذ الكون كله يستعد ويتحضر لاستقبال هذا النور النبوي المحمدي صلى الله عليه وسلم 
يتبع بإذن الله..