الأحد، 26 يوليو 2020

هذا الحبيب (10)

هذا الحبيب (10)
حادثة أصحاب الفيل، الجزء الأول
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}
____
عندما استولى ملك الحبشة على أرض اليمن ولّى عليها رجلاً من الأحباش حاكماً عليها، اسمه (أبرهة الأشرم)
 (الأشرم لقب له، كان أبرهة رجلاً.. قصير وناصح، تبارز يوماً مع رجل ضخم، فضربه الرجل بالحربة على جبهته فشرم حاجبه، وأنفه، وعينه، وشفته، أي جرحها) لذلك سُمي أبرهة الأشرم 
فكان (أبرهة حاكم لليمن) وله جيش قوي، وبما أنه حاكم جديد على هذا البلد، ولا يعرف طبيعة أهلها استغرب عندما رأى كثيراً من أهل اليمن يشدون الرحال الى مكة في موسم الحج، فسأل أتباعه ما ذاك؟ 
قالوا له: يحجون 
قال لهم: والى أي شيء يحجون؟
قالوا له: الى الكعبة 
قال: وماهي الكعبة؟
قالوا: هي بيت يعتقد العرب أنه بيت الله في الأرض، بناه جدهم إبراهيم 
قال: أخبروني عنه، من أي شيء صنع هذا البيت؟
قالوا له: من الحجارة ولا سقف له!
قال لهم: وما كسوته؟
قالوا له: كسوته من مخطوطات يمنية (كان ستار الكعبة في الجاهلية يصنع في بلاد اليمن، قطع قماش تسمى مخطوطات، لونها أحمر وأسود)
ففكر أبرهة بالأمر، ثم استشار المقربين منه، قال" ما رأيكم أن نبني كنيسة للعرب في اليمن، أفضل من هذا البيت؟
فأُعجبوا بالفكرة، ووافقوه عليها.
______
فبدأ ببناء كنيسة عظيمة في صنعاء، وبالغ جداً في زخرفتها، وزينها بأنواع الزمرد والياقوت، وكساها بأجمل القماش.. (حتى يجذب الناس إليها، ويصرف انظارهم عن الكعبة)
ثم طلب من العرب، أن يحجوا إليها.. فاستهزأ العرب منه؛ قالوا نترك كعبة أبينا أبراهيم بيت الله، لنحج الى كنيسة أبرهة؟!
ومضت الأيام ولم يأتِ إليها أحد (فشعور أبرهة كان شعور الفشل والخيبة)
لم يستجب الناس إليه، حتى جاء رجل من أهل الحجاز ليلاً، ودخلها، حتى وصل إلى أرفع وأجمل مكان فيها، وتغوط عليها (يعني قضى حاجته عليها) ثم لطخها بالنجاسة 
وقال: هذا حجنا إليها يا أبرهة، ثم انصرف.
______
في الصباح، عندما استيقظ أبرهة من نومه، أخبروه حاشيته بما حدث ليلاً من ذلك الرجل 
فاشتعل أبرهة من الغضب، وأقسم ليهدمن كعبة العرب، وحمل حملته على العرب وجهز جيشاً ضخماً لم يُر مثله لكي يهدم الكعبة وينتقم منهم..
تقدم أبرهة بجنده بفيل عظيم، وفي طريقه كان يبعث جنوده على قبائل العرب ليغزوهم، ويأخذ طعامهم وشرابهم، لينفقها على جيشه..
حاولت قبائل عربية التصدي له ولكنها باءت بالفشل والهزيمة أمام جيشه..
بعض القبائل عندما سمعت بقدومه، تركت منازلها وهربت الى الجبال..
كل العرب وقبائل العرب لم تستطع الوقوف في وجه أبرهة وجنده..
كان جيش ابرهة عبارة عن (عاصفة دمرت قبائل العرب) 
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (9)

هذا الحبيب (9)
إرهاصات النبوة
قبل مولدِ النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين يوماً، وقعت حادثة اهتز لها العرب جميعاً، وهي حادثةُ الفيل، وكانت من إرهاصاتِ النُبوة قبل مولدهِ.
فما هي الإرهاصة، والمعجزة، والكرامة، والاستدراج، والإهانة 
هي خمسُ أسماءٍ لمسمىً واحد وهو الأمرُ الخارقُ للعادة
_____
الإرهاصة: هي أمرٌ خارق، يحدثُ لأي نبي قبل مولده، أو قبل أن ينزل الوحي عليه، وهي عبارة عن تجهيز لحضوره، تماماً مثل حادثة (أصحاب الفيل) قبل مولده صلى الله عليه وسلم، بخمسين يوماً، وسنأتي على ذكرها إن شاء الله.
___
المعجزة: عندما يُوحى إلى نبي ويتسلم مهام الرسالة، ويقول للناس إني رسول الله إليكم، ويأتي بأمر خارقٍ للعادة، دليل على صدقهِ.
____
الكرامة: أمرٌ خارق، يحدث لإنسان صالح.. مثل الصحابة رضوان الله عليهم، والأولياء.
____
الاستدراج: يكون لإنسان منافق، يعتقد الناس أنه من الصالحين، يستدرجهُ الله بأمرٍ خارق، حتى يوردهُ في النهاية للهاوية.
قال تعالى: {سنستدرجُهم من حيثُ لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين}
____
الإهانة: هي أمرٌ خارق، يحدثُ لمن يدّعي أنهُ نبي، مثل مسليمة الكذاب 
إدعى مسيلمة النبوة، وأنه شريكٌ لمحمد في الأرض بالرسالة.
قومهُ كانوا يعلمون أنه كاذب، فأردوا أن يستهزؤوا به،
 قالوا: يا مسيلمة، محمد قد ظهر على يده خوارق 
قال: لهم ماذا تريدون؟ 
قالوا: بلغنا أن محمداً، قد بصق في عين أحد أصحابه، بعد أن قُلعت من مكانها في إحدى الغزوات (يقصدون الصحابي قتادة رضي الله عنه، عندما قُلعت عينه في (غزوة أُحد) فجاء يحملُها على كفه، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم وأرجعها مكانها وبصق عليها، فرجعت تبرُق في وجهِ قتادة وعادت مكانها، وكان يقول قتادة: والذي بعث محمداً بالحق، لإني أرى فيها أفضل من عيني السليمة)
قال مسيلمة: أحضروا لي رجلاً أعوراً، فأحضروه له 
فبصق في عينهِ من أجلِ ان يُشفى، فعميت عينه (هذا أمر خارق، لو بصق كل الناس في عين شخص، لا يعمى)
فضحك الناس عليه 
قال لهم: هاتوا غيرها 
قالوا له: بلغنا أن محمداً، جاء الى بئر ماء مالح وقليل لا يسقي الظمآن، فبصق فيه فكثر الماء وامتلأ البئر على الفور.
فذهب مسيلمة معهم، إلى بئر فيه ماءٌ قليل، فبصق فيه مسيلمة فجف الماءُ على الفور لم يبق فيه نُقطة ماء واحدة. 
(هذا ما يُسمى الإهانة ولكنها خارقة للعادة)
____
ومن الإرهاصات قبل مولده صلى الله عليه وسلم (حادثة أصحابُ الفيل)
وكانت هذه الحادثة بمثابة، لفت لأنظار العالمَ كُله، لهذا المكان الذي سيولدُ فيه سيدُ الخلق وإمام المرسلين سيُدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
كان ذلك الحدث الضخم الغريب العجيب، الذي لم يسمع به العالم من قبل، فما قصة أصحابُ الفيل، ولماذا أراد أبرهة هدمَ الكعبة؟
يتبع بإذن الله..

الخميس، 16 يوليو 2020

هذا الحبيب (8)

هذا الحبيب (8)
حمل آمنة بسيد الخلق، صلى الله عليه وسلم
فرأت آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا.. 
تقول: هتف هاتف في أذني وأنا بين النائم واليقظان فقال لي: يا آمنة هل شعرتِ أنك حملتِ؟
تقول آمنة: فكأني شعرتُ أني أقول له، لا أدري!
قال: يا آمنة قد حملت بسيد هذه الأمة ونبيها، فإذا ولدته فسميه (محمد) 
قالت: فكان ذلك مما أكد لي الحمل. 
ثم عرفت آمنة أنها حامل بعد انقطاع الحيض، وعلم عبد المطلب أن آمنة قد حملت.
____
فرح عبد المطلب فرحاً كبيراً، وفرحت مكة كلها بهذا الخبر. 
ثم ذهب ليهنئ آمنة.. 
فقالت له آمنة: أريد أن أخبرك عن رؤيا رأيتها، 
فلما قصّت عليه الرؤيا تذكر عبد المطلب جميع ما مرّ به من مُبشرات، وأنه سيخرُج من صُلبهِ مولود له شأن عظيم.. 
وتذكر تلك الرؤيا في منامه (أنه رأى سلسلة من فضة خرجت من ظهره، حتى صعدت للسماء، ثم رجعت إلى شجرة خضراء لها غصون ولها ظل، فجاء جميع الخلق وتعلقوا بها)
ولأنه كان يسافر كثيراً، فكان يقابل الأحبار والعرافين وأهل الكتاب، وكانوا جميعهم يبشرونه، أنك في ظِل نبي آخر الزمن، هو فخرٌ للعرب كلها، ولن يخرج إلا من دائرة بيتك.
وقصّ رؤياه لأهل المعرفة والكتاب، ولِمن كان عِندهُ علم بتفسير الرؤى 
فقالوا له: يخرج من صُلبك مولود يكون له شأن عظيم في الأرض والسماء!
_____
فلما قصت عليه آمنة الرؤيا، تهلل وجهه بالسعادة 
وقال: يا آمنة أُكتمي رؤياك ولا تحدثي بها أحداً..
يا آمنة: إن أهل الكتاب أخبروني وبشروني بنبي آخر الزمن المنتظر ولعل الجنين الذي في بطنك يكون هو، فإن لأهل الكتاب حوله إشاعة كبيرة.
______
 ومضت الأشهر والأيام وآمنة: لم أجد في حملي كما تجد النساء، لم أشعر به ولا وجدت له ثقلة كما تجد النساء، (أي: لا وحام، ولا تعب، ولا دوخة، ولا إرهاق ولا ألم)
حتى أني أذهب للبئر لأشرب، أرى ماء البئر قد ارتفع للأعلى، فأشرب منه فإذا انتهيت رجع  
(وذلك ببركة من تحمل، صلى الله عليه وسلم)
فأخبرتُ بعض النساء حولي، فقلن لي: علقي حديداً في عضديك ورقبتك (يعني مثل أيامنا هذه، تعليق الطوق في الرقبة، على شكل عين وما الى ذلك، من الدجل، لترد العين والحسد وأذى الجن)
قالت: ففعلت، فما مضى يوم إلا قُطع (أي الطوق)
فتركته ولم ألبسه.. ومضت الأشهر حتى دخلت في الشهر التاسع، وهنا قبل مولده صلى الله عليه وسلم بخمسين يوماً وقع حدث عظيم اهتزت له مكة والعرب..
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (6)

هذا الحبيب (6)
زواج عبد الله من آمنة بنت وهب
لما فرحت قريش بفداء عبد الله، أخذ عبد المطلب بيد ابنه عبد الله، وسار به الى الكعبة، والناس ينظرون، وطاف به بالبيت سبعاً..
نظرت قريش إليهم، فرأت عبد الله يخرج النور من وجهه.. 
وكيف لا يخرج النور من وجهه وهو يحمل نور نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم.
وجاءت قريش تهنئ عبد المطلب، في نجاة ولده.
_____
عبد المطلب ما زال يتذكر كلام ذلك الحبر اليهودي في اليمن عندما كان في رحلة الشتاء.
كان قد نزل عند حبر من اليهود، فقال الحبر لعبد المطلب متعجباً: رجلٌ من أهل الديور! 
يسأله متعجباً: أنت من أهل الكتاب؟!
يا عبد المطلب، أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك؟ 
تأذن لي أتفحص جسدك.. وكأن عنده علامات إذا وُجدت فيه، تدل على شيء
قال: نعم إذا لم يكن عورة 
فلما نظر الحبر لجسده وتفحصه 
قال له: أشهد أنك تحمل بين يديك.. ملكاً.. ونبوة 
 قال الحبر: إذا رجعت تزوج من بني زهرة يا عبد المطلب، سيخرج من ذريتك رجل ذو أمر عظيم، يجمع بين الملك والنبوة، وسيكون فخراً  لقبيلتين من العرب هم (بني هاشم.. وبني زهرة)
فلما رجع تزوج من (هالة بنت وهب) من بني زهرة
وبقي هذا الكلام في رأس عبد المطلب، فقرر أن يزوج عبد الله ويفرح به، يزوجه من (بني زهرة) من آمنة، أملاً بكلام ذلك الحبر اليهودي لعله يتحقق حلمه.
_____
فعلمت قريش، أن عبد المطلب  قرر أن يزوج ابنه عبد الله من بني زهرة، وانتشر الخبر في مكة، حتى أن فتيات مكة مرضن ولزمن الفراش، عندما سمعن هذا الخبر تأسفاً وحسرة؛ فكل فتاة كانت تتمنى أن تكون زوجة لهذا الرجل المبارك.
_____
ذهب عبد المطلب الى سيد بني زهرة، أبو آمنة (آمنة بنت وهب)، أم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم،
وخطب آمنة.. لابنه.. عبد الله 
كان عُمْر (عبد الله) والدِ النبي صلى الله عليه وسلم (18) عاماً
وكان عمر (آمنة) أم النبي صلى الله عليه وسلم (14) عاماً، ويقال (16)
وفي نفس اليوم تزوجها عبد الله ودخل بها.
وكانت من عادة العرب أن العريس يبقى في ديار أهل العروس، ثلاثة أيام وبعدها يأخذ زوجته، ويرجع الى اهله
فحملت آمنة بسيد ولد آدم، حملت بالنور المهداة للعالمين، حملت بخير خلق الله أجمعين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. 
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (7)

هذا الحبيب (7)
وفاة والدِ النبي صلى الله عليه وسلم
بعد مضي ثلاث أيام، أخذ عبد الله عروسه (آمنة بنت وهب) وارتحل بها إلى قومه، وبعد أيام تجهزت القافلة لرحلة الصيف، التي كانت مُتجهة لبلاد الشام، فاختاروا فيها عبد الله العريس، كي يكون في القافلة مع بعضِ إخوته.
_____
ودّع عبد الله عروسه (آمنة بنت وهب) ولم يكن عِنده عِلم، أنه لن يراها بعد اليوم أبداً، ولم يكن عِندهُ عِلم أن آمنة قد حملت له بطفل هو حبيبُ ربِ العالمين، وخيرُ خلقِ الله أجمعين 
ودّعها عُبد الله ثم انطلق مع القافلة الى بلاد الشام.
______
بعد أشهر رجعت القافلة، وليس فيها عبد الله!
فسأل عبد المطلب أين عبد الله؟
قالوا له: لا تقلق يا شيخ مكة، تركناه عند أخواله في بني النجار، في يثرب (المدينة المنورة) فقد أصابه بعض المرض، وعندما يتعافى سيرجع، تركناهُ هناك فلقد خُفنا عليه من مشقة السفر.
_____
نظر عبد المطلب الى ابنه الكبير (الحارث) وقال: يا بني انطلق على الفور الى يثرب، وأحضر عبد الله ولو في هودج.. 
(الهودج.. هو مثل الخيمة التي تكون على ظهر الجمل تحمل النساء في السفر)
فلما ذهب الحارث، ووصل يثرب وجد القوم في عزاء، فسأل عن أخيه!
فقالوا له: قد مات اخوك عبد الله وذلك قبره، فوقف عند قبرِ أخيه وبكى حتى أفرغ حُزنه بالبكاء عليه ثم رجع الى مكة، وأخبر أباه، فكانت الفاجعة، وضجت مكة وقريش لهذا الخبر. 
سبحان الله قبل أشهر يُفدى بمائةٍ من الإبل وبعد شهرين يدركهُ الموت! ما السر في ذلك؟ 
حتى يخرُج من صُلبهِ، محمدٌ رسول الله، صلى الله عليه وسلم
حزنت مكة كلها، على وفاة عبد الله 
_____
وكانت آمنة قد حملت بهذا الطفل المبارك، الذي سيكون رحمة للعالمين.
لم تكن تعلم آمنة أنها حامل، لأنها كانت صغيرة بالعمر ولأنها أول مرة تحمل.
 تقول آمنة: لم أعرف أني حامل، إلا أنني أنكرت حيضتي (أي انقطع عنها الحيض) 
فلما كان الشهر الثاني من وفاة زوجها عبد الله، رأت رؤيا.. هتف هاتفٌ في أذنها وهي نائمة..
يتبع بإذن الله..

هذا الحبيب (5)

هذا الحبيب (5)

كاهنة يثرب، وعبد الله الذبيح

فلما أخبرها عبد المطلب بالأمر قالت الكاهنة: أمهلوني اليوم وارجعوا إليّ في الغد، حتى يأتيني قريني فأسأله!

كان الكهنة والعرافين علاقتهم مع الجن، تسأل قرينها أي الجني الذي تتعامل معه

فتركوها ورجعوا..

_____

قلنا إن عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم ولد في يثرب (المدينة المنورة) يتيم الأب عند أخواله بني النجار.

الآن عبد المطلب كان من عادته إذا وصل المدينة المنورة، أن يذهب لزيارة أخواله والتجول في أسواق المدينة، فلما خرجوا من عندها لم يذهب عبد المطلب لزيارة أخواله من بني النجار ولم يذهب الى أسواق المدينة يتذكر طفولته فيها، كان مشغول البال بمصير ابنه عبد الله، فقام يتضرع ويدعو الله أن يوفقه لما يرضاه.

____

رجعوا في اليوم الثاني الى الكاهنة، فقالت لهم: قد جاءني الجواب، كم دية الرجل عندكم إذا قتل؟  أي رجل منكم قتل رجل، كم تدفعوا ديته مقابل أن يرضى أهله

قالوا: نعطيهم عشرة من الإبل

قالت: إذن تُقدموا صاحبكم (تعني عبد الله) وتقدموا عشرة من الإبل، واطرحوا القدح

(أي تكتبوا اسم عبد الله على القدح الأول، وعلى الثاني تكتبوا عشرة من الإبل، قرعة)

واضربوا عليها وعلى صاحبكم القدح، فإن خرجت عليه زد من الإبل عشرة (اعملوا قرعة بين عبد الله والعشرة من الإبل فلو خرجت القدح في القرعة باسم العشرة من الإبل، فقد رضي ربكم بالفداء، فإن خرجت باسم عبد الله يجب عليكم ان تزيدوها عشرة وتعيدوا القرعة)

قال عبد المطلب: وإن خرجت عليه مرة اخرى ماذا نفعل؟

قالت: تزيدوا عشرة ثم عشرة حتى تخرج، على الإبل حتى يرضى ربكم ويفدى هذا الغلام، ولا تتردد، واعلم أنك ستنال رضا الآلهة ونجاة صاحبك.

______

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أبن الذبيحين)

والمقصود أبوه عبد الله.. وأبوه الثاني إسماعيل عليه السلام، لما رأى إبراهيم خليل الله عليه السلام، رؤيا تأمره بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام، فصدق الرؤيا وهمّ بذبحه، ففداه الله بذبح عظيم، جده الأكبر للنبي صلى الله عليه وسلم، نبي الله اسماعيل عليه السلام (أنا أبن الذبيحين)

______

 ففرحت قريش جميعاً وأصبحت قريش ترفع صوتها وتتفاخر بالكرم والسخاء والنخوة.

وأخذوا يصيحون بأعلى صوتهم!

يقولون: واللات والعزى.. لنفدي عبد الله وإن لم يبق في مكة إبل.

_____

 ورجعوا مكة، والناس في مكة حزينة، وفي قلق لأن عبد الله كان في مكة من أحب الناس إليهم، وكان أجمل شباب قريش وأكرمهم خلقاً.. فكيف يُذبح؟

 فصار عندهم قلق وكآبة

 شاع الخبر في مكة واجتمع الناس وأحضروا عشرة من الإبل

وتقدم عبد الله وقدموا عشرة من الإبل.. طرحوا القدح فخرج السهم على عبد الله!

فأضافوا عشرة فخرج السهم على عبد الله!

 فألحقوها عشرة فخرج السهم على عبد الله!

فما زالوا يزيدون عشرة فوق عشرة يلحقونها عشرة حتى بلغت الإبل مائة على التمام

عشر عشرات فخرج السهم على الإبل، صرخت قريش بصوت عالي، قد رضي ربك يا عبد المطلب

 فقال: لااا .. قالوا: لم لا ، يا سيد قومك؟

(ما القصة يا عبد المطلب القدح أول مرة طلع على عبد الله مباشرة هممت لذبحه)

 قال لهم حتى أضرب القدح ثلاث فإن خرجت على الإبل ثلاث هنا أعلم أن ربي قد رضي، وإلا فلا بد من ذبح الولد..

 قالوا: كما تريد

(فقاموا بالقرعة ثلاث مرات وفي كل مرة تخرج على الإبل)

فقال عبد المطلب: الآن اطمأن قلبي، وأن ربي قد رضي

وكان فداء عبد الله 100 من الإبل، نحروها وجعلها عبد المطلب طعاماً للناس والسباع والوحوش في الجبال لا يمنع عنها أحداً،

فرحت قريش بفداء عبد الله فرحاً ما بعده فرح.. ثم أخذ عبد المطلب بيد ابنه عبد الله وسار به في اتجاه الكعبة.. 

يتبع بإذن الله..


هذا الحبيب (4)

هذا الحبيب (4)

(فداء عبد الله)

وضع عبد المطلب ابنه عبد الله أمام الكعبة واستعد لذبحه

وكانت أندية قريش حول الكعبة ..

(الأندية هي عبارة عن مجالس لقريش، كانوا يجلسون جماعات مع بعضهم البعض، كل جماعة تجلس مع أصحابها، وتكون الكعبة أمامهم مباشرةً، وكل ما يحدث عند الكعبة يرونه)

____

فلما استعد عبد المطلب لذبح عبد الله، ضجت قريش كلها

(لأن أهل قريش كان عندهم علم بقصة النذر والذبح)

 وقام الناس من مجالسهم مسرعين، حتى وصلوا الى عبد المطلب، وأمسكوا بعبد الله وأبعدوه، ثم وقفوا بين عبد المطلب وعبد الله، ثم صاحوا بأعلى صوتهم:

لاااا واللات والعزى، لا ندعك تذبحه حتى تُعذر فيه

 (أي حتى نجد حلاً لهذا النذر)

يا عبد المطلب: أنت سيد قومك، وكبيرهم وقدوتهم، إذا ذبحت ولدك، ستكون سُنة (عادة) في قريش، كل رجل نذر، سيذبح ابنه عند الكعبة.

قال عبد المطلب: يا قوم..  لعل الله ابتلاني كما ابتلى جدكم إبراهيم، بولده إسماعيل.

قالوا: لا ، لا  لن ندعك تذبحه حتى تُعذر فيه.

قال لهم: وما الحل؟

فصاح أحدهم: فلنحتكم الى الكهان!

وصاح آخر: ننطلق الى سحاج عرافة يثرب (قلنا إن يثرب هي نفسها المدينة المنورة حالياً، لما دخلها الحبيب صلى الله عليه وسلم، أنارت وأضاءت وأشرقت من نور وجهه صلى الله عليه وسلم)

ننطلق الى سحاج عرافة يثرب (امرأة اسمها سحاج كاهنة في يثرب، كانت تُعرف بعرافة يثرب) نسألها لعلها تجد لك مخرجا، عرافة يثرب خير من ينهض بالأمر (أي أفضل كاهنة تستطيع أن تحل هذا الأمر)

فسكت عبد المطلب عن الكلام، ولم يعد له سبيل لرفض كلامهم، ونزلت عليه السكينة والارتياح ثم نظر الى القوم وقال: ننطلق الى سحاج عرافة يثرب.

فصاح الجميع وعلا صوتهم بالفرح..

انتشر الخبر في مكة كلها كالنار بالهشيم وضجت مكة بأصوات الفرح، وأطلت النساء بفرح ينظرن الى عبد الله بشفقة ورحمة، كانت كل فتيات مكة يتمنون عبد الله زوجاً لهن، كان كل من نظر إليه يراه مكسواً بالجمال والهيبة والانوار (إنه نور حبيبكم المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يحمله عبد الله)

 الكل ينظر إليه وينظروا الى صبره لهذا الموقف الصعب، هذا الفتى الجميل صاحب الوجه المضيء، إنه جميل وما أكثر الجمال في قريش، ولكن جمالهُ نادر يشف عن جمال الروح، ففي جماله شيء غريب، نور يكسوه في وجهه شيئاً لا ترى مثله في وجه شباب قريش.

______

فركبوا جميعاً، وانطلقوا إليها، فلم يجدوها في يثرب، كانت في خيبر، فلحقوا بها الى خيبر.

فلما دخلوا على كاهنة يثرب، نظرت إليهم تلك العجوز الكبيرة في العمر نظرة ذكاء وفراسة، وقصّ عليها عبد المطلب خبره وخبر ابنه عبد الله.

يتبع بإذن الله