الجمعة، 28 أغسطس 2009

مقاومة المقاومة

مقاومة المقاومة

( 30 طريقة لريادة التغيير وترويض المقاومة) (1/3)

أولاً مقاومة التغيير :

الأسباب العشرون لمقاومة التغيير :
من المهم تفهم أسباب المقاومة حتى يمكن التعامل معها لتكون مدخلاً مهماً للقضاء على المقاومة أو ترويضها. وإن كان يصعب تحديد جميع الأسباب إلا أنه بالإمكان الإشارة إلى أهمها وهي كما يلي :
1. التمسك بالعادات والتقاليد, يقول الله تعالى: } وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ(23)قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ ءَابَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(24){ (الزخرف : 23 – 24) .
2. الخوف على المصالح المادية أو المعنوية , والتوهم بأن التغيير سيكون سبباً في فقد بعض الامتيازات أو المكاسب .
3. عدم المشاركة في إعداد وتنضيج المشروع التغييري , إذ إن المشاركة في إعداد التغيير حافز للتمسك به والدفاع عنه , والعكس صحيح .
4. الخوف من تأثير التغيير على العلاقات الشخصية مع من يقع عليهم التغيير , فمثلاً قد يرفض الرئيس تغيير وظيفة أحد مرؤوسيه خوفاً من أن يتسبب ذلك التغيير في تعكير صفو العلاقة بينهما .
5. لأن التغيير قد ينطوي أحياناً على مخاطر حقيقية وواضحة , لا سيما تلك المخاطر التي تمس قيم الفرد ومبادئه ومعتقداته.
6. عدم الاقتناع بالتغيير المراد إجراؤه أو ببعض جوانبه .
7. عدم وجود مبررات وجيهة أو حجج كافية للتغيير المراد اتخاذه .
8. عدم وضوح صورة التغيير أو الجهل بحقيقته وأهدافه وإجراءاته وجوانبه الأخرى.
9. لمجرد معارضة الرؤساء وأصحاب النفوذ لهذا التغيير .
10. الإمعية والتقليد الأعمى للآخرين .
11. التكاليف البشرية والمادية الباهظة للتغيير .
12. الخوف من عدم القدرة على التكيف مع متطلبات هذا التغيير , فقد يحتاج التغيير إلى مهارات معينة أو خبرات محددة أو قدرات متميزة لا تتوفر عند بعض الأفراد .
13. الارتياح مع الواقع الحالي والاقتناع به .
14. التشبع واليأس والإحباط وربما الملل من كثرة التجارب التغييرية الفاشلة .
15. العناد .
16. سوء العلاقة مع المغير .
17. تنافس الأقران
18. حب الصدارة والزعامة.
19. لأن المقاوم من "الحرس الثوري القديم" , حيث يعتبر نفسه أحد مهندسي الواقع الحالي , ويعتبر أي تغيير هو اعتداء شخصي على ذاته .
20. لقلة العقل والحماقة والسفه.
وسائل المقاومة العشرون :
إن الذين يقامون التغيير يلجأون لطرق ماكرة , ويعتذرون بعبارات وحجج معروفة مسبقاً يمكن تلخيصها بالتالي :
1. لا توجد أهداف واضحة لهذا التغيير .
2. هذا التغيير يخدم مصالح شخصية .
3. لا نملك الطاقات البشرية والمادية اللازمة للتغيير .
4. هذا التغيير سيخرب عملنا , فلا نحن قد حافظنا على إنجازاتنا ولا نحن حققنا شيئاً في المستقبل .
5. هذا التغيير مثالي وغير واقعي .
6. هذا التغيير جيد ولكن وقته ليس الآن , أو نحن بحاجة إلى وقت لدراسة هذا التغيير وتحقيقه .
7. هذا التغيير سيحدث بلبلة لدى العاملين .
8. هذا التغيير مخالف للمبادئ أو الأصول التي قمنا عليها.
9. إن اذين يقودون التغيير مشكوك فيهم وبمعنى آخر القيام بمهاجمة قادة بدلاً من مهاجمة التغيير ذاته .
10. دعونا نجرب هذا التغيير على نطاق ضيق فإن نجح عممناه .
11. هذا التغيير فيه استخفاف بالإنجازات والقيادات السابقة .
12. هذا التغيير لم يجرب في مكان آخر , أو جرب وفشل. وإن كان قد نجح فيتم التركيز على الفرق بين واقعنا والواقع الآخر .
13. إن المقصود من هذا التعبير هو التخلص من بعض القيادات السابقة .
14. أنتم تريدون التجريب ,ونحن لسنا محطة تجارب .
15. دعونا ندرس الأمر من جديد , ثم دعونا نتشاور .
16. لنؤجل الأمر حتى الدورة أو السنة القادمة .
17. استعمال أساليب أقل نظافة (الكذب , النميمة , الإشاعات .. إلخ).
18. اللجوء للإضرابات أو القرارات المقيدة أو نشر البلبلة .
19. الانقلابات أو العزل .
20. التصفيات الجسدية أو المعنوية .
أنماط المقاومين الخمسة عشر :
يحسن بالمغير أن يتعرف على أنماط المقاومين وأساليب تعاملهم مع التغيير حتى لا يخدع من قبلهم , وهم خمسة عشر نمطاً كما يلي :
1) المتجارب :
وهو الذي يدعي أن عنده تجربة وخبرة طويلة , وأن تجربته أثبتت فشل هذه الفكرة التغييرية .
2) المتسائل :
وهو الذي يوجه الأسئلة الكثيرة بطريقة ملتوية خبيثة , مع التركيز على الأسئلة التي تتناول أموراً هامشية جزئية , حتى يبين فشل المشروع التغييري .
3) المتسلق :
وهو الذي يحاول التسلق إلى القيادات العليا والوصول إلى متخذي القرار , ثم يقيم معهم العلاقات الاجتماعية المتميزة , وعندها يستغل هذه المكانة والحظوة في التآمر على الفكرة التغييرية ومقاومتها ,وذلك عن طريق إقناع القيادات العليا بعدم قبول هذه الفكرة لعدم صلاحيتها .
4) المُعَمِّم :
وهو الذي يجعل من الحادثة الفردية ظاهرة عامة , حيث يضخم الأخطاء الصغيرة والقليلة ويوهم الآخرين بأن المشروع بأكمله فاشل.
5) الثرثار :
وهو الذي يكثر الكلام والحوار والتعليق دون أن يترك للمغير فرصة للحديث .
6) الملتقط :
وهو الذي يحسن الاستماع إلى المغير , ويحاول أن يلتقط بعض الكلمات أو العبارات التي يتلفظ بها هذا المغير والتي تخدم مقاومته ومعارضته للتغيير المطلوب , ثم يكتفي بهذه الكلمات ليثبت أن المشروع غير كامل وفيه ثغرات كثيرة بدليل ما تلفظ به المغير .
7) المُرَكِّب :
وهو الذي يحاول الاستفادة من جميع الكلمات والعبارات والآراء والمواقف والمشاهد , ويُركِّب بعضها على بعض ليثبت أن المشروع فاشل .
8) المسوِّف :
وهو من أخطر أنواع المقاومين إن لم يكن أخطرهم , وهو الذي ربما يمدح المشروع التغييري , ويثني على صاحبه , ولكنه يعقب فيقول : إن وقت المشروع ليس الآن , أو ينبغي تأجيله إلى السنة القادمة .
9) الثعلب :
أي الماكر الذي يتلاعب على كل الحبال , ويتآمر بخبث ودهاء , وبتلون مع كل حال , ويتعامل بوجوه عدة , ويظهر غير ما يبطن .
10) المشاجر :
وهو الذي يقاوم العملية التغييرية ويقضي عليها عن طريق المشاجرة والعراك .
11) المنسحب :
وهو الذي يعبر عن مقاومته بالانسحاب والخروج من المكان الذي يناقش فيه المشروع التغييري , مما يسبب توتراً لدى الآخرين , أو يفض الاجتماع لعدم اكتمال النصاب .
12) الذاتي :
وهو الذي لا يفكر إلا في ذاته , ولا يريد إلا ما يخدم مصلحته الشخصية , ومن ثم فقبوله للفكرة التغييرية أو رفضه لها يعتمد أولاً وأخيراً على مدى تحقيقها لمصالحه , ليس إلا .
13) العقرب :
وهوالذي يلدغ مباشرة صاحب الفكرة التغييرية , ويشوه صورته عند الجميع , وذلك لأن زعزعة الثقة بصاحب التغيير هو في الحقيقة زعزعة الثقة في التغيير نفسه .
14) المساوم :
وهو الذي يتفاوض مع المغير ويساومه في تغييره بحيث يصلان إلى حل وسط أو حل يشوه التغيير ويخرجه عن جوهره .
15) التآمري :
وهو صاحب النفسية التآمرية التي لا تنظر إلا بمنظار التآمر , فيظن أن الآخرين يتآمرون عليه في مشاريعهم التغييرية , لذا فهو يتآمر عليهم كما (يظن أنهم) يتآمرون عليه , وشعاره "إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب" .
ثانياً مقاومة المقاومة :
مقاومة المقاومة :
كما هو معروف أن لكل تغيير مقاومة ؛ ظاهرة تارة وخفية تارة أخرى , قوية تارة وضعيفة تارة أخرى . هذه المقاومة هي التي تتسبب في إفشال العملية التغييرية , ولذا فلابد أن يتم التعامل معها بحذر وذكاء وحكمة من أجل تحجيمها أو ترويضها أو القضاء عليها .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : كيف يتم ترويض هذه المقاومة أو التخلص منها ؟ وبمعنى آخر : كيف يتم مقاومة المقاومة ؟
والواقع أن هناك طرقاً عديدة وأساليب متنوعة لمقاومة المقاومة , وقبل الخوض في هذه الأساليب نود الإشارة إلى الملاحظات التالية :
1-يمكن للمغير أن يستخدم أكثر من طريقة لمقاومة المقاومة , فقد لا تجدي طريقة واحدة فيضطر إلى ممارسة طريقة ثانية وثالثة ورابعة .. إلخ .
2- يعتمد تبني أي طريقة من الطرق التالية على معايير عدة , من أهمها ما يلي :
أ- طبيعة المغيرين وإمكاناتهم .
ب- طبيعة المقاومة ومدى قوتها وهل هي فردية أم جماعية .
ج- الإمكانات البشرية والمادية المتاحة
د- الظروف والأحوال الداخلية والخارجية للمنظمة والأفراد .
هـ- الزمان والمكان .
3- الغاية لا تبرر الوسيلة , ومقاومة المقاومة ينبغي أن تكون بأسلوب نظيف وشريف .
4- رغم أننا سنذكر بعض الطرق التي لا نظن أنها تتفق والخلق الإسلامي القويم إلا أن ذكرنا لها لا يعني الدعوة إلى تبنيها والتساهل في ممارستها إلا وفق ضوابط عدة من أهمها ما يلي :
أ -أن يتم ممارستها عند الضرورة القصوى .
ب- أن لا يتم استخدامها مع الصالحين المستقيمين .
ج_أن يتم استعمالها بأدنى قدر ممكن .
د-الحذر من التساهل في الكذب والنميمة .
هـ- أن يخلص الإنسان نيته لله تعالى عند استخدام هذه الطرق في حالة الضرورة .
و- أن لا يفرح الإنسان ويفتخر باستخدام هذه الطرق .
ى- أن يكثر الإنسان من الاستغفار والتوبة .
1- كن طبيباً :
يقوم الطبيب عادة بتشخيص الداء والتعرف على أسبابه ومن ثم يحدد له الدواء المناسب , وهذا ما ينبغي للمغير أن يقوم به ابتداءً عند مقاومة المقاومة .
إن للمقاومة أسباباً ودوافع لابد أن يتعرف عليها المغير حتى يستطيع التعامل معها , إذ ربما لا يحتاج المغير إلا إلى كلمات قليلة يمكن بها ترويض المقاومة .
لذا , فإن أول سؤال ينبغي أن يسأله المغير للمقاومين هو : لماذا تقاومون هذا التغيير ؟ .
فإن كان السبب الحقيقي هو الجهل بحقيقة التغيير؛ كان العلاج هو توضيح جوانب وأبعاد وماهية وإيجابيات هذا التغيير .
وإن كان السبب هو الخوف على المصالح الشخصية؛ فإن العلاج هو تطمينهم بعدم تأثير التغيير على امتيازاتهم ومكاسبههم الشخصية.
وإن كان السبب هو التكاليف المادية للتغيير؛ فإن علاج ذلك يكون بتبيان الأرباح الكبيرة الآجلة التي يمكن أن حققها هذا التغيير , وهكذا الحال بالنسبة لباقي أسباب ومبررات المقاومة .
2- ادع للمقاومة :

الدعاء هو السلاح الفتاك الذي يؤمن به المؤمنين , كما أنه علاقة العبد بربه , وقد أبان الرسول r أهميته فقال: "مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ إِذًا نُكْثِرُ قَالَ اللَّهُ أَكْثَرُ" رواه الترمذي .
إن على المسلم أن لا يقلل من أهمية وتأثير الدعاء , لاسيما ذلك الدعاء الذي يخرج من قلب نقي خاشع ناصح لا إثم فيه ولا معصية ,وصدق القائل إذ يقول :
سهام الليل صائبـة المرامي ... إذا وُترت بأوتـار الخشوع
إننا في تعاملنا مع إخواننا المسلمين , حتى لو كانوا مخالفين ومقاومين لما نريد من تغيير , ينبغي أن لا ننسى أن لهم حقوقاً علينا , ومن حقوقهم علينا النصيحة والدعاء وإرادة الخير لهم .
وما يدري الإنسان , فلعل دعاءً صادقاً يخرج من قلب محب للخير , يرفعه الله تعالى إليه , فيستجيب له , ويجعل نار المقاومين برداً وسلاماً على المغيرين والمتغيرين , وما ذلك على الله بعزيز . وفي التاريخ الإسلامي عبر كثيرة تؤكد ما نقول , وتثبت أهمية الدعاء وتأثيره في نفوس المقاومين والمناوئين والغاضبين والمتربصين.
3- كن فطناً ذكياً :
إن مقاومة التغيير قد لا تكون مقاومة أخلاقية شريفة , إذ ربما تحتوي على العديد من التكتيكات والحيل والتمويه , لذا ينبغي أن يكون المغير ذكياً فطناً سريع البديهة .
والذكاء وسرعة البديهة هي موهبة فطرية يهبها الله لمن يشاء , ولكن يمكن اكتسابها أو يمكن القول إنها موجودة لدى كثير من الناس إلا أنها ضامرة تحتاج إلى صقل وإظهار .
ولعل مما ينمي الذكاء وسرعة البديهة هو الاستعانة بالله , والعلم , ومرافقة الأذكياء , والاطلاع على مواقفهم .
لقد كان رسول الله r أذكى الناس وأفطنهم , روى ابن قتيبة أنه لما خرج رسول الله r إلى بدر , مر حتى وقف على شيخ من العرب , فسأله عن محمد وقريش , وما بلغه من خبر الفريقين , فقال الشيخ: لا أخبركم حتى تخبروني ممن أنتم , فقال رسول الله r " إذا أخبرتنا أخبرناك" فقال الشيخ : خبرت أن قريشاً خرجت من مكة وقت كذا , فإن كان الذي أخبرني صدق , فهي اليوم بمكان كذا, للموضع الذي به قريش وخبرت أن محمداً خرج من المدينة وقت كذا , فإن كان الذي خبرني صدق , فهو اليوم بمكان كذا , للموضع الذي به رسول الله . ثم قال : من أنتم ؟ فقال رسول الله r : "نحن من ماء" ثم انصرف , فجعل الشيخ يقول : نحن من ماء ! ماء العراق أو ماء كذا أو ماء كذا .
وأمثلة الذكاء والفطنة وسرعة البديهة كثيرة ومتنوعة ولعل من المهم ذكر بعضها حتى تتسع المدارك وتتضح الصورة .
يروي ابن خلكان في "وفيات الأعيان" (4 /95) أن الحجاج قال لأخي قطري ابن الفجاءة : لأقتلنك , فقال : لمَ ذلك ؟ قال لخروج أخيك , فقال : فإن معي كتاب أمير المؤمنين أن لا تأخذني بذنب أخي , قال : هاته , فقال معي ما هو أوكد منه , قال : ما هو ؟ فقال : كتاب الله عز وجل حيث يقول : }وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{ , فعجب منه وخلى سبيله .
وروي أن غلاماً لقي الشاعر أبا العلاء المعري , فقال الغلام لأبي العلاء : من أنت يا شيخ ؟ فقال أبو العلاء : شاعركم , فقال الغلام : أنت القائل في شعرك :
وإني إن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطع الأوائل
فقال أبو العلاء : نعم , فقال الغلام : يا عماه , إن الأوائل قد وضعوا ثمانية وعشرين حرفاً للهجاء , فهل لك أن تزيد حرفاً واحداً ؟ فصمت أبو العلاء وأفحم ولم يستطع الإجابة .

يتبع

اسم الكتاب: مقاومة المقاومة ( 30 طريقة لريادة التغيير وترويض المقاومة)

تأليف :د.علي الحمادي

* * * * *

كيف تنمّي شخصيتك

كيف تنمّي شخصيتك
دليلك نحو قوة الشخصية
المراجع:
• مقال د. عبد الكريم بكار في مجلة الفيصل عدد 245 ( تنمية الشخصية )
• شريط للشيخ / علي بادحدح ( الطريق إلى الشخصية المؤثرة )
إعداد: حمد عتيق القحطاني
ماذا نعني بالشخصية ؟
اختلف علماء النفس كثيراً في تعريف الشخصية ، حتى وصل عدد تعاريف الشخصية إلى أربعين تعريفاً.
ويحددها بعض الباحثين على أنها: ( مجموعة الصفات الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية التي تظهر في العلاقات الاجتماعية لفرد بعينه وتميزه عن غيره )
لماذا الاهتمام بالشخصية ؟
• بسبب الواقع العالمي المنكوس حيث بات الإنسان يعيش غريباً معزولاً عن أعماق ذاته ، ويحيا مقهوراً من أجل الوسط المادي الذي يعيش فيه .
• إن خلاص الإنسانية الأكبر لن يكون إلا بالنمو الروحي والعقلي للإنسان ، وتحسين ذاته وإدارتها على نحو أفضل ، وليس في تنمية الموارد المحدودة المهددة بالهلاك .
• إن تنمية الشخصية لا يحتاج إلى مال ولا إمكانات ولا فكر معقد ، وإنما الحاجة تكمن في الإرادة الصلبة والعزيمة القوية .
• تعلمنا تجارب الأمم السابقة أن أفضل طريقة لمواجهة الخارج وضغوطه الصعبة هي تدعيم الداخل وإصلاح الذات واكتساب عادات جديدة ثم يأتي بعد ذلك النصر والتمكين .
ما شروط تنمية الشخصية ؟
لا تنسى هدفك الأسمى
ونقصد ذلك الهدف الأعلى الذي يسمو فوق المصالح المادية والغايات الدنيوية ، ولا يواجه المسلم مشكلة في تحديد الهدف الأكبر في وجوده ، ولكن المشكلة تكمن في الغرق في تفاصيل الحياة وتعقيداتها ، وبالتالي يصبح إحساسنا وشعورنا للهدف ضعيفاً رتيباً ، مما يجعل توليده للطاقة التغييرية لا تصل إلى المستوى المجدي لتنمية الذات.
القناعة بضرورة التغيير
يظن كثير من الناس أن وضعه الحالي جيد ومقبول أو أنه ليس الأسوأ على كل حال ، وبعضهم يعتقد أن ظروفه سيئة وإمكاناته محدودة ، ولذلك فإن ما هو فيه لا يمكن تغييره !! ، والحقيقة أن المرء حين يتطلع إلى التفوق على ذاته والتغلب على الصعاب من أمامه سوف يجد أن إمكانات التحسين أمامه مفتوحة مهما كانت ظروفه ...
الشعور بالمسؤولية
حين يشعر الإنسان بجسامة الأمانة المنوطة به ، تنفتح له آفاق لا حدود لها للمبادرة للقيام بشيء ما ، يجب أن يضع نصب عينيه اللحظة التي سيقف فيها بين يدي الله عز وجل فيسأله عما كان منه ، إن علينا أن نوقن أن التقزم الذي نراه اليوم في كثير من الناس ما هو إلا وليد تبلد الإحساس بالمسؤولية عن أي شيء !!
الإرادة الصلبة والعزيمة القوية
وهي شرط لكل تغيير ، بل وشرط لكل ثبات واستقامة ، وفي هذا السياق فإن ( الرياضي ) يعطينا نموذجاً رائعاً في إرادة الاستمرار ، فهو يتدرب لاكتساب اللياقة والقوة في عضلاته ، وحتى لا يحدث الترهل فإن عليه مواصلة التدريب ، وهكذا فإن تنمية الشخصية ما هي إلا استمرار في اكتساب عادات جديدة حميدة .
ما هي مبادئ تنمية الشخصية ؟
تنمية الشخصية على الصعيد الفردي :
التمحور حول مبدأ
إن أراد الإنسان أن يعيش وفق مبادئه ، وأراد إلى جانب ذلك أن يحقق مصالحه إلى الحد الأقصى ، فإنه بذلك يحاول الجمع بين نقيضين !! ، إنه مضطر في كثير من الأحيان أن يضحي بأحدهما حتى يستقيم له أمر الآخر ، وقد أثبتت المبادئ عبر التاريخ أنها قادرة على الانتصار تارة تلو الأخرى ، وأن الذي يخسر مبادئه يخسر ذاته ، ومن خسر ذاته لا يصح أن يقال أنه كسب بعد ذلك أي شيء !!
المحافظة على الصورة الكلية
إن المنهج الإسلامي في بناء الشخصية يقوم على أساس الشمول والتكامل في كل الأبعاد ، وليس غريباً أن نرى من ينجذب بشكل عجيب نحو محور من المحاور ويترك باقيها دون أدنى أدنى اهتمام ،وحتى لا نفقد الصورة الكلية في شخصياتنا يجب أن نقوم بأمرين :
• النظر دائماً خارج ذواتنا من أجل المقارنة مع السياق الاجتماعي العام
• النظر الدائم في مدى خدمة بنائنا لأنفسنا في تحقيق أهدافنا الكلية
العهود الصغيرة
إن قطرات الماء حين تتراكم تشكل في النهاية بحراً ، كما تشكل ذرات الرمل جبلاً ، كذلك الأعمال الطيبة فإنها حين تتراكم تجعل الإنسان رجلا عظيماً ، وقد أثبتت التجربة أن أفضل السبل لصقل شخصية المرء هو التزامه بعادات وسلوكيات محددة صغيرة ، كأن يقطع على نفسه أن يقرأ في اليوم جزء من القرآن أو يمشي نصف ساعة مهما كانت الظروف والأجواء ، ليكن الالتزام ضمن الطاقة وليكن صارماً فإن ( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل )
عمل ما هو ممكن الآن
علينا أن نفترض دائماً أننا لم نصل إلى القاع بعد ، وأن الأسوأ ربما يكون في الطريق ! ، فذلك يجعل الإنسان ينتهز الفرص ولا ينشغل بالأبواب التي أغلقت ، ويجب أن تعتقد أن التحسن قد يطرأ على أحوالنا لكننا لا ندري متى سيكون ، ولا يعني ذلك أن ننتظر حنى تتحسن ظروفنا بل ليكن شعارنا دائماً : ( باشر ما هو ممكن الآن )
المهمات الشخصية
يجب أن تكون لدينا مجموعة من الوصايا الصغرى تحدد طريقة مسارنا في حركتنا اليومية ، وهي بمثابة مبادئ ثابتة :
• اسع لمرضاة الله دائماً
• استحضر النية الصالحة في عمل مباح
• لا تجادل في خصوصياتك
• النجاح في المنزل أولاً
• حافظ على لياقتك البدنية ، ولا تترك عادة الرياضة مهما كانت الظروف
• لا تساوم على شرفك أو كرامتك
• استمع للطرفين قبل إصدار الحكم
• تعود استشارة أهل الخبرة
• دافع عن إخوانك الغائبين
• سهل نجاح مرءوسيك
• ليكن لك دائماً أهداف مرحلية قصيرة
• وفر شيئاً من دخلك للطوارئ
• أخضع دوافعك لمبادئك
• طور مهارة كل عام
تنمية الشخصية على صعيد العلاقات مع الآخرين:
تحسين الذات أولاً
في داخل كل منا قوة تدفعه إلى الخارج باستمرار ، فنحن نطلب من الآخرين أن يقدروا ظروفنا وأن يفهموا أوضاعنا وأن يشعروا بشعورنا ، ولكن قليل من الناس من يطلب هذا الطلب من نفسه ، قليل منهم من يقدر شعور الآخرين ويفهم مطالبهم ، إن الأب الذي يريد من ابنه أن يكون باراً مطالب بأن يكون أباً عطوفاً أولاً ، والجار الذي يريد من جيرانه أن يقدموا له يد العون يجب أن يبذل لهم العون وهكذا ... ، ليكن شعارنا : ( البداية من عندي ...)
الإشارات الغير لفظية
إننا بحاجة في كثير من الأحيان أن نعبر عن تقديرنا وحبنا للآخرين بشكل غير مباشر يفهمه الآخرين ، إن الإشارات الغير لفظية والتي تمثل عيادة المريض أو تقديم يد العون في أزمة أو باقة ورد في مناسبة أو حتى الصفح عن زلة لهو في الغالب أشد وأعمق تأثيراً في النفس البشرية ، ولا شك أن هذا الأمر بحاجة إلى معرفة ومران وتمرس لكي نتقنه ...
المسافة القصيرة
ما أجمل أن يصطفي الإنسان من إخوانه من يكون له أخاً يستند إليه في الملمات ويعينه وقت الشدائد ويبوح له بما في نفسه ، فيسقط معه مؤونة التكلف من جراء تلك المسافة القصيرة التي تقرب قلوبهم إلى بعضها ، والإنسان بحاجة ماسة إلى هؤلاء ، فقد أثبتت بعض الدراسات أن الذين يفقدون شخصاً يثقون به وقريباً منهم لهم أشد عرضة للاكتئاب ، بل وإن بعض صور الاضطراب العقلي تنشأ من مواجهة الإنسان لمشاق وصعوبات كبرى دون من يسانده ، لذلك إن وجد الإنسان ذلك الأخ الحميم ، فليحسن معاشرته ، وليؤد حقوقه ، وليصفح عن زلاته .
الاعتراف والتقدير
من الأقوال الرمزية : كل شخص يولد وعلى جبهته علامة تقول : ( من فضلك اجعلني أشعر أنني مهم ) ، فكلما وقع اتصال بين الناس تناقلوا بينهم رسالة صامتة تقول : ( فضلاً اعترف بكياني ، لا تمر بي غير آبه )، فالإنسان مهما كان عبقرياً وفذاً وناجحاً فإنه يظل متلهفاً لمعرفة انطباع الناس عنه ، وكثيراً ما يؤدي التشجيع إلى تفجير أفضل ما لدى الأمة من طاقات كامنة ، وكان ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث وصف أصحابه بصفات تميزهم عن غيرهم ، إن اكتشاف الميزات التي يمتلكها الناس بحاجة إلى نوع من الفراسة والإبداع ، وقبل ذلك الاهتمام ...
تأهيل النفس للعمل ضمن فريق
إن الواقع يشهد أننا نعيش في عالم يزداد فيه الاعتماد على المجموعات في إنجاز الأعمال ، وذلك لتعقد المهمات في العمل الواحد ، وحتى يرتفع مستوى الأداء والإنتاجية في العمل ، إن كثير من الناس يعيش حالة من النمو الزائد في الفردية ، فتجده ينجح في أعمال كثيرة تتطلب عملاً فردياً ، فإذا ما عملوا في لجنة أو مجموعة فإنهم يسجلون نتائج سلبية وغير مشجعة ، ومردود ذلك على نهضة الأمة في منتهى السوء !! ، وحتى يتأهل الإنسان للعمل ضمن فريق فإنه بحاجة لأن يتدرب على عدة أمور منها :
• حسن الاستماع والإصغاء لوجهة نظر الآخرين
• فهم كلاً من طبيعة العمل ودوره في ذلك العمل
• فهم الخلفية النفسية والثقافية لأفراد المجموعة التي يتعاون معها
• الحرص على استشارة أفراد المجموعة في كل جزئية في العمل المشترك تحتاج إلى قرار
• الاعتراف بالخطأ ومحاولة التعلم منه
• عدم الإقدام على أي تصرف يجعل زملاءه يسيئون فهمه
• عدم إفشاء أسرار العمل أو التحدث عن أشياء ليست من اختصاصه
• المبادرة لتصحيح أي خطأ يصدر من أي فرد من أفراد الفريق وفق آداب النصيحة
• تحمل ما يحدث من تجاوزات وإساءات من الأفراد واحتساب ذلك عند الله تعالى
• إذا تعذر عليه الاستمرار ضمن الفريق فعليه أن يفارقهم بإحسان وأن يستر الزلات

كيف تحقق ذاتك


كيف تحقق ذاتك

لخص عالم النفس ( ماسلو ) الصفات المميزة لمن استطاعوا تحقيق ذاتهم في الآتي:
1- انهم يدركون الحقيقة بكفاءة , و يستطيعون تحمل التأرجح بين الشك واليقين
2- يتقبلون ذاتهم كما هي والآخرين كما هم
3- أنهم تلقائيين في تفكيرهم و سلوكهم
4- أنهم يركزون اهتماماتهم في المشاكل أكثر من تركيزهم على ذاتهم
5- يتحلون بملكة الفكاهة
6- مبدعين وخلاقين
7- يقاومون التشكل الحضاري الدخيل - ولكن دون تحفظ متزمت -
8- أنهم يهتمون بسعادة الانسان والبشرية
9- أنهم قادرين على التقدير العميق للتجارب الأساسية في الحياة
10- أنهم يقيمون علاقات مشبعة مع القلة وليس مع الكم من الناس
11- ينظرون للحياة نظرة موضوعية
والآن ماذا تفعل لكي تحقق ذاتك؟
1- مارس حياتك كالطفل !! ( اي باستغراق واهتمام كامل )
2- جرب دائماً الجديد و لا تلتصق بالقديم
3- استمع الى احساسك الخاص في تقديرك للتجارب - وليس لصوت التقاليد او السلطة او الغالبية -
4- كن مخلصا وتجنب المظاهر
5- ليكن لك رأيك المستقل .. وكن مستعدا لتكون غير محبوب اذا كانت آرائك تختلف مع الاغلبية
6- تحمل المسئولية
7- اعمل بجدية في ماتقرره
8- حاول استكشاف عيوبك ودفاعاتك اللاشعورية , وتحلى بالشجاعة في القضاء عليها .

كافئ نفسك - إدارة العقل

كافئ نفسك - إدارة العقل

مفكرة الإسلام فن الإدارة :الوطن العربي :الخميس 5 ربيع الأول 1426هـ - 14 أبريل 2005 م

يسخر مني البعض ويقول:
أنا كافئ نفسي! أنا أعطيها جائزة!
قل لي: اضربها، أدبها، ذمها لكن لا تقول لي كافئها أبدًا.
قبل أن تغلق أخي القارئ نافذة هذه المقالة اقرأ معي السطور القليلة الآتية عسى أن تفهم لماذا أكافئ نفسي؟

أسباب مكافأتك لنفسك

السبب الأول:
أنها تزودك بالمتعة والبهجة التي تساعك في إشعارك بأنك في حالة طيبة وأنك تتمتع بالثقة في نفسك. فبمجرد أن نكبر في السن تصبح الحياة مليئة بالمهام التي علينا القيام بها في البيت، وفي مكان العمل، حتى بات من السهل لنا أن نغرق في أوحال الروتين وأن ننسى الفرحة وعلى العكس تجد معظم الأطفال يستطيعون الالتقاء بأنفسهم في أحضان أصغر المباهج وترك أنفسهم للمتع اللحظية إننا الكبار نتصرف وكأن المباهج أمر ثمين للغاية حتى أننا نحتفظ بها للمناسبات الخاصة، كما لو أنها في خطر أو أنها تتعرض للتلف بسبب الاستخدام.
في ثقافتنا خطر كبير يتمثل في أننا وبلا وعي منا نصد إمكانيات الفرح والترويح ذلك لأننا وإلى حد ما نعتقد أنه لا ينبغي علينا القيام بامتاع أنفسنا، ونميل إل الاعتقاد أن الأمور الأخرى أكثر أهمية من ذلك مع أن الترويح والمكافأة يدعم قدرة احتمالنا على أداء تلك الأعمال الهامة والجديرة بالتنفيذ لأنه سيكون لدينا المزيد من الطاقة والقوة والمرونة.

السبب الثاني: استخدام المكافآت يخفف من صعوبة المهام غير المحببة:
مثال: كان جوناثان طبيبًا يعمل كممارس عام، وكان الجزء الذي وجده بغيضًا لديه في مهنته هو الاستدعاءات الليلية، لقد كان يشعر بالبؤس حين يستيقظ على رنين الهاتف في آخر الليل ليجد نفسه أمام مشكلة طبية زرعت نفسها أمامه ولقد استطاع أن يخفف من هذا العبء بأن يمنح نفسه علامة صح في كل مرة يقوم بها بزيارة ليلية بحيث إذا جمع ثلاث علامات يكافئ نفسه بأن يشتري لها اسطوانة سي دي.
وهكذا أيها الأخ عليك بالتخطيط لمكافأة نفسك على إنجازك للعمل الذي كان يفزعك أن تقوم به واربط بين الاثنين معًا. الانجاز والمكافأة وانظر إلى المكافأة على اعتبار أنها نتيجة لامتلاكك الشجاعة على مواجهة عمل غير محبب.

السبب الثالث: إن الجوائز والمكافأة تخلق أفضل بيئة
للمساعدة على التغيير في الاتجاهات التي ترغب في تبديلها. إن الوقت الملي بالمهام التي يتم تنفيذها من منطلق الواجب أو الإحساس بالذنب إنما يقوض من مقدرتك على التطور ويشعرك بأنك تجهز وتعد لحياتك أكثر من أن تعيش الحياة نفسها، وكأنك طوال عمرك تستعد للحياة ثم لا تعيش بعد ذلك.

السبب الرابع: استخدام المكافآت يساعد على إسقاط الحاجز القائم في طريق أداء العمل:
فالأمر يبدو أسهل في تناولنا للعمل الصعب إن وعدنا أنفسنا براحة بعد العمل نتناول فيها الشاي أو نتجول فيها مع أحد أصدقائنا.

ضوابط مكافأة النفس

1ـ اختيار المكافأة المفيدة لك:
فكر في الشيء الذي تستمتع به والذي يمنحك السعادة والفرح أو يساعدك على الاسترخاء، فكر في الأشياء البسيطة مثل تناول كوب من الشاي أو مشاهدة برنامج مفيد عل التلفاز، فكر في الأشياء الكبيرة مثل القيام بأجازة.
فكر في الأشياء التي تريد أن تشتريها، حاول أن تكون قائمة من 20 شيئًا عن المكافآت وكلما طالت القائمة كلما كان أفضل.

2ـ اختيار التوقيت السليم:
تعمل المكافآت أفضل عندما تأتي بسرعة بعد إنجاز الهدف المحدد. كافئ نفسك فور الانتهاء من مذاكرتك، فإن كفأت نفسك في البداية قد تزداد المذاكرة صعوبة وربما توقفت عن المذاكرة وبالتالي لن تصبح للمكافأة قيمة في البداية؟ وإن كانت نفسك بعدها بمدة كبيرة فإن العلاقة بين الاثنين تكون قد ضاعت.

3ـ كافئ نفسك كثيرًا:
يسعد كل شخص من المكافأة اليومية فالمباهج البسيطة كفيلة بأن تجعل ا لحياة أسهل وأكثر إمتاعًا، لكن تجنب تلك المكافآت التي تفشل في إرضائك، فإذا كنت مثلاً من المحبين لالتهام لقمة القاضي أو الشيكولاته، وتجد تلك المكافأة تعمل فقط على أن تسرع بالبحث عن البهية في شيء آخر، أو حتى تجعلك تشعر بحال أفضل لكن لمدة قصيرة، فهذه مكافأة ليست جيدة.

4ـ امنح التنوع لنفسك:
قد ينتابك السأم والضجر من الحصول على نفس المكافأة في كل مرة وعندما يصل الأمر إلى هذا الحد فإنها تفقد قوتها في التشجيع.

5ـ حول المباهج الروتينية إلى مكافآت فعالة:
إن تركك لكافة الأشياء التي يصعب عليك القيام بها لآخر لحظة يجعلك وكأنك تصنع مستنقعًا متعبًا عليك النضال معه فيما بعد، فإذا كنت تستمتع مثلاً باستراحة لتناول القهوة كل صباح فإنها ستكون أكثر إمتاعًا وتشكل مكافأة أفضل لك إن كنت قد قمت بعمل تكرهه قبل ارتشافها، وليس أن تقوم به بعدها.

6ـ احذر من مكافأة تضرك:
قد يخطئ بعض الناس ويكافئ نفسه بأشياء تضره كأن يشرب سيجارة وهي محرمة شرعًا تضر صحته وماله، أو رجل مثلاً يعاني السمنة ويحاول أن يسير على نظام غذائي فيكافئ نفسه بأكل يخرق نظامه الغذائي كالشيكولاته مثلاً، أو رجل يكافئ نفسه بإزعاج الآخرين، فهذه مكافأة تضرك أكثر مما تنفعك. وكما قال تعالى عن الخمر والميسر: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219].

اقتراحات لمكافأة النفس

إليك أخي القارئ هذا الجدول الذي فيه بعض الاقتراحات لمكافأة نفسك، ولكن نذكرك بأن هناك مكافآت بسيطة تكافئ بها نفسك بعد العمل مباشرة، وهناك مكافآت كبيرة تحتاج إلى جمع علامات لها فمثلاً تقول حتى اشترى قميصًا جديدًا على تجميع خمس علامات، وكلما عملت عملاً شاقًا تعطي نفسك علامة حتى تحصل الخمس علامات.

طعام وشراب مثل: تناول بسكويت بالشيكولاتة وجبتك المفضلة - كوب شاي.
أنشطة مثل: القيام بالمشي ـ مشاهدة برنامج مفيد على التلفاز ـ الاستمتاع بإحدى الهوايات المباحة ـ حل الكلمات المتقاطعة.
الاسترخاء مثل: أخذ حمام مطول ـ القراءة ـ الاستيقاظ المتأخر ـ الجلوس بجوار المدفأة.
الشراء مثل: شراء باقة زهور ـ شراء قطعة ملابس جديدة ـ شراء المصحف المرتل أو سلسلة دروس.
الوقت مثل: تمنح نفسك 10 دقائق استراحة ـ استراحة في نهاية الأسبوع ـ القيام بأجازة.
تمارين مثل: الاشتراك في صالة الألعاب المحلية ـ الاشتراك في أحد الألعاب الرياضية.
التحدث مع النفس مثل: 'إني أمضي على ما يرام ـ حاجة تمام ـ يمكنك القيام بذلك ـ أن تستحق الراحة.
الآخرون مثل: التحدث في التليفون ـ زيارة صديق ـ تناول غذاء مطول مع أحد قدامى الأصدقاء.

نماذج: تجد مبدأ الترويح والمكافأة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم:

فيوم خيبر أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرفع الروح المعنوية للصحابة فخرج إليهم وقال 'لأعطين الراية غدًا رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه' فبات الصحابة ليلتهم كلهم يتمنى أن يكون ذلك الرجل، وأعطاها في اليوم التالي لعلي بن أبي طالب.

وبينما هو عائد صلى الله عليه وسلم من إحدى غزواته ومعه السيدة عائشة رضي الله عنها فيروح عنها فيسابقها فتسبقه، فلما أثقلت عائشة اللحم سابقها فسبقها فقال لها : 'هذه بتلك يا عائشة'.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: 'إني لاستجم ليكون أنشط لي في الحق، فقيل له: أراك لا تفتر عن الذكر فكم تسبح ؟ قال: مائة ألف إلا أن تخطئ الأصابع.

وكان من السلف من يطعم نفسه الحلوى إذا اجتهدت في العبادة ومنهم من يطعم طلبة علمه الفالوذج [نوع من الحلوى].

وقال علي رضي الله عنه: 'أجموا ـ أي روحوا ـ هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان' وبعد فيا أخي القارئ فلعلك تكون قد اقتنعت بمبدأ مكافأة النفس، اذهب فكافئ نفسك الآن إن قرأت هذه المقالة، ولتكن المكافأة أن تدعو لي بالهداية والتوفيق وجزاك الله خيرًا.

سحر الشخصية

سحر الشخصية
ضياء من منتديات الحصن
المغناطيس الشخصي:
كلمتان تشيران إلى معنى واحد يجهله أكثر الناس, ولا يولونه العناية التي يستحقها, ثم لا يستثمرون الفوائد الجزيلة التي يعطيها.
بعضهم يرى أن مغناطيس الشخصية واقع تجريبي محض,وبعضهم يراه محض اعتقاد خاص, كأي اعتقاد من الاعتقادات الشائعة التي يكثر حولها الجدل, ولا ينتهي بها الأخذ والرد, إلى نتيجة حاسمة.
والحقيقة أن لكل شخص مغناطيسية تنبعث من كيانه الجسمي والنفسي, كائناً من كان, وكائنة ما كانت قيمته الاجتماعية والفكرية والسياسية.
ليس في الناس من لا يؤثر في غيره عن وعي أو عن غير وعي, وليس في الناس من لا قيمة له في بصائر الذين يحيطون به, ويتعامل معهم, ويتعاملون معه, فلكل امرئ تأثيرات خاصة, كما لكل امرأة نفوذ شخصي ـ نفسي خاص.
وهناك, إلى ذلك تأثير غير منظور, قوي أو خائر, جذاب أو حيادي, مخرب أو بناء, منظم أو مبعثر للقوى النفسية, لا ينفصل عن النشاط النفسي, ينبثق دون انقطاع من نفوسنا, ويشع وينتشر.
ذلك هو سحر الشخصية الذي أنوي التحدث عنه ملخصة لكتاب سحر الشخصية (فلسفة النفوذ والتأثير على الآخرين) تأليف/ بول جاغو..
متمنية من العلي القدير أن يوفقني لطرحه بشكل مبسط, يسهل للقارئ كشف أسرار شخصيته, ووضعها بين يديه حتى يصل إلى نتائج إيجابية قيمة .. في بناء شخصيته, وفرضها على الآخرين, بصورة عفوية هادئة.
الفصل الأول
التأثير الشخصي
أيكون تأثير المرء في غيره من الناس, سلطة خاصة يحرزها القلة الأفذاذ من البشر؟
أم هو نتاج تمارين سرية خفية يقوم بها المرء في معزل عن المجتمع, ونجوه من أعين الرائين؟
الحقيقة أنه "ظاهرة" عامة شاملة, يمكن أن تظهر في حياة كل فرد من أفراد الإنسانية, فلا يختص به أحد, ولا يتميز به شخص دون الآخرين: لأنه ينبع دوماً من "النفسية الفردية", فهو كالفكر نفسه الذي يصدر عنه. وكل امرئ منا, يؤثر فيمن حوله, عن وعي أو غير وعي, بواسطة إشعاع خاص يمتد على مسافات تقصر أو تطول حسب الأشخاص والظروف .. ولقد أوتي كل شخص مغناطيسه الذي يتفرد به, كما أوتي الحياة نفسها, بيد أن هذا المغناطيس يختلف بين كائن وآخر, بما فيه من شدة, واستمرار, وانسجام.

من أنت
إن أقل أفكارك دوماً, واتفه ما تنطق به من كلمات عن تأمل, وأبسط ما تتخذ من قرارات, وتؤدي من أعمال, تتعاون فيما بينها جميعاً على تكوين مالك من نفوذ منظور أو محجوب, تخرجه من كل لحظة ذاتيتك المتميزة.
أنت الآن بشخصيتك الراهنة, وليد أفكارك السابقة, وأقوالك الماضية, واعمالك التي عفى عليها الزمن. وان لأفكارك وأقوالك الآن, اليد الأولى في نسج مستقبلك القريب والبعيد, فإذا تعلمت أن تحكم عوامل تأثيرك ونفوذك, تصل إلى تحقيق ما تطمح إليه, وتحصيل ما تبغي تحصيله, وتتجنب كل ما تعتبره مؤلماً أو متعباً أو مريراً.

مصادر النفوذ
من أين تنبثق مظاهر نفوذ قوى واضح؟ أيتاح لأي كان أن يوازي أقوى الشخصيات تأثيراً وأبعدها نفوذاً, أو أن ينال مرتبة محترمة من إشعاعها؟
تكاد الأبحاث والدراسات النظرية والتجريبية في هذا الموضوع , تجمع على شيء أكيد, هو أن تطبيق الإرشادات الآلية إلى تحصيل النفوذ الشخصي, والمراس المستمر الدائب لكل ما من شأنه أن يقوي المرء أو المرأة في التحصيل المغناطيسية, يؤديان دوماً إلى زيادة تأثير الشخص, وتوسيع دائرة نفوذه على الآخرين.

نظريات ابتدائية
يحسب بعض الباحثين أن ينبوع الإشعاع الفردي قائم في الكيان الحيوي (البيولوجي). ولا ريب أن حيوية قوية صارخة, وجسماً ممتلئاً يفيض بالعافية, وصدراً واسعاً, وانتظاماً في الأجهزة التنفسية والغذائية والهضمية والدموية والعصبية, تؤدي كلها, إذا اجتمعت, إلى ايلاء صاحبها مغناطيسية قوية. والناس ينشدون عشرة "الأقوياء" ويشعرون معهم بالاطمئنان والسرور, ويقتربون منهم كما يقترب المقرور من الموقدة الدافئة في أيام الشتاء القارصة.
ولكن هنالك اشخاصاً لا يملكون من ضخامة الهيكل, ولا من العافية الطافرة ما يملكه غيرهم, وتراهم مع ذلك, على نحولهم ونحافتهم وضآلة قواهم الحيوية, يسيطرون على الآخرين, ويستحوذون استحواذاً تاماً, بما أتوا من صفات نفسية, ومعانٍ خلقية أهمها الشجاعة والانطلاق...
ومن الباحثين من يعتقد أن "المظهر الخارجي" هو المؤثر الأعظم في أكثر المواقف, ويلح تبعاً لهذا الاعتقاد, على ضرورة العناية بالهندام, والأناقة, والحلاقة, ونبرة الصوت, وثبات النظرة, ومراقبة الحركات والساكنات, ووضوح العبارات, وبيان الإشارات, وامتلاك الانفعالات.
ويرى آخرون أن ثمة رجالاً ونساء ليسوا على شيء من حسن المظهر, وأناقة الهندام, ولهم, مع ذلك, سلطة على النفوس لا تقاوم, وجاذبية لا يدفعها دافع. كما أن هناك من عرفوا بالدمامة والعنف والغلظة, وفيهم إلى ذلك كله, مغناطيس عجيب!
وهذا يردنا إلى القول بأن سحر الشخصية ينبع أكثر ما ينبع, من الحياة الداخلية التي يحياها المرء أو المرأة في الذات, وبعبارة ثانية, ينبع من فكرة جريئة, دقيقة, صارخة, عنيدة, تغلي وتغتلي حتى تطبع الشخصية كلها بطابعها الجريء الصارخ.

الغليان النفسي
لقد أجمع الباحثون على أن التشديد النشاط النفسي, يعني تشديد المغناطيسية الشخصية. ونعني بالنشاط النفسي حرارة الإرادة وقوتها, وهي لا تنفصل عن حرارة النفرة من أمر أو طلب أمر, ولا يكون المطلب هذا مادياً أو شهوانياً بالضرورة, وإنما يضم جميع مناطق الحياة العاطفية, والذهنية, والروحية. ذلك يفيد أن أي امرئ كان, يستطيع أن يكون ذا نشاط نفسي, وبالتالي ذا مغناطيسية خاصة.

الصفات الأخلاقية
يرى كثير من رؤساء المدارس النفسية الحديثة أن الأهمية الكبرى, والمنزلة الأولى في تكوين سحر الشخصية ونموه إنما هي للمزايا النبيلة, والصفات الشريفة, والشمائل الناعمة الوديعة, من استقامة, إلى طيبة, إلى مثالية, إلى علو في الهمة, ورفعة في النفس, وما رادف وأشبه...

المهم
المهم أن يستقر في حافظة كل إنسان أن سحر الشخصية يعرف على النحو الآتي:
1ـ العنصر الحيوي (البيولوجي)
2ـ عنصر المظهر الخارجي (المحيا, الهيكل الجسماني, النظرة, الموقف, الصوت, الكلام الموحي).
3ـ العنصر النفسي الذي لا يُرى, وهو القائم على النشاط الروحي في مناحي الحياة العقلية, والعاطفية, والمعنوية).
4ـ عنصر التوازن والانسجام الناشئ عن الاستقامة والنبل الأخلاقي.
فعلى كل فرد أن يوضح لنفسه, في نفسه, هذه الناصر الأربعة التي يتألف منها سحر الشخصية, وان يجمعها ويوحد بينها, وأن يحكم بصفاء ذهني مظاهر تمثلاتها.

الفصل الثاني
النظرية والتطبيق
لا يستطيع المرء أن يمضي في تطبيق أية نظرية ما لم تتضح أمامه جوانب المشكلة التي تنطبق عليها النظرية المبحوثة, وما لم يتمثل, بوضوحٍ, المسألة التي يريد حلها.
وقد فصلنا القواعد الفكرية, والأبحاث التجريبية, والوقائع العلمية التي تبرز نظرية التأثير الشخصي, أو مظاهر سحر الشخصية, ولم يبق أما القارئ إلا أن ينتقل إلى التطبيق.
على أنه لا بد من لحاظ الفارق بين نوعين من سحر الشخصية: الأول "التأثير الخارجي" وهو المنظور, أي الذي تقع عليه العين, ويمكن درسه بالملاحظة, والثاني "المغناطيس الشخصي" وهو الذي يكون عن بعد, ويجري به التأثير عن طريق الفكر والخيال والعاطفة.

عوامل التأثير الخارجي
هذه لائحة بالعوامل التي تجعل المرء ذا نفوذ عند الآخرين, من الخارج, أو في الظاهر, بتعبير أدق, مرتبة حسب أهمية كل منها:
1ـ الهدوء
2ـ الثبات
3ـ النظرة
4ـ الإيحاء اللفظي
5ـ المظهر المعنوي (التربية, الذوق, التعبيرات بالصمت أو الإشارة أو الابتسامة)
6ـ المثابرة وروح النضال
على كل شخص أن يفكر في هذه المعاني ـ الصورـ, ليحسن بها شخصيته, ويخضع تصرفاته الخاصة للإرادة الواعية, ويستمر في إخضاعها هذا, إلى أن تنسجم معها, حتى إذا أصبح هادئ رغم المقلقات, ثابتاً على رأيه رغم المثبطات, قوي النظرة, بليغ العبارة, مثابر على العمل, مناضلاً في سبيل مثله الأعلى, استطاع أن يوفق إلى ما يشجعه, ويشد عزمه في معركة الحياة.

نتائج التأثير الخارجي
إن استغلال عوامل التأثير الخارجي, بعد تثقيفها يمكن المرء:
1ـ من خلق فكرة إيجابية عن شخصه عند الآخرين, دون اللجوء إلى إطراء الناس, وتملق الكبار, والاعتذار والاستعطاف, فإن مجرد حضور الإنسان بكل بساطة, يكفي عندما يكون ذا تأثير شخصي, لأن يميل الناس إليه, وأن لا يعارضوه سلفاً ...
2ـ من تحصيل عادة في الإقناع تستند إلى قوانين الإيحاء, حتى يكسب الآخرين للتمسك بآرائه, وعواطفه, وقراراته, واستعداداته التي يحاول الآخرون إيحاء ما يعرضها.
3ـ من مراس سلطة خاصة فردية, متميز عن تلك التي يحققها اللقب, أو الرتبة, أو الوظيفة, أو المقام الاجتماعي.
4ـ من الاعتداد بالنفس, وصلابة الموقف أمام أي كان, وفي أي ظرف كان, حتى عندما تنجح العداوات التي يلاقيها, إلى زعزعة مقاومته, وتحطيم صلابته.
5ـ من الاستمرار في تنفيذ ما نوى تنفيذه, والمضي في القرارات التي أنضجها درساً وتمحيصاً رغم كل القيود والإيحاءات المعاكسة الطارئة.
هذه نتائج قيمة, ثمينة. فإذا حصلت عليها وسعيت لبلوغ كمالها, لا يغب عن بالك أن النفوذ الخارجي أو المنظور معنى منفصل كل الانفصال عن سحر الشخصية العميق الأصيل, عن الحياة النفسية ونشاطها وانسجامها وحرارتها.

الانتظام الذاتي
حكم النفس يقتضي حداً أدنى من الإرادة, أو استعداداً للقيام بالأعمال الإدارية المدروسة, وما من أحد على أديم هذه الأرض إلا وهو يحمل مطاوي ذاته هذا الاستعداد.
وللانتظام الذاتي الضروري لإنماء عناصر التأثير الشخصي الخارجي, أصداؤه العميقة البعيدة في قرارة الحياة النفسية, ثم في إشعاعها اللامرئي.
هذا الانتظام الذاتي يحرك الانتباه ومراقبة النفس, وينزع إلى وضع الغرائز والانفعالات والخيالات في رقبة العقل, فهو يؤلف بذلك, ضرباً من التدريب الناجع على تقوية مغناطيس الشخصية وحسن استعماله.
منابع الطاقة
الولع أغنى ينبوع من ينابيع الطاقة النفسية, فمن أولع بالفن, أو بالأدب, أو بالعلم, أو بالفلسفة, أو بالاختراع والاكتشاف ـ دعك من الولع بالمال والجاه واللذائذ المادية ومظاهر الفخفخة! ـ كان حرياً به أن يجد الطاقة العظمى لبلوغ ما يصبو إليه.
والينبوع الثاني هو "الكراهية" فمن شعر بكراهية كبيرة نحو تصرف, نحو حالة من حالات الفرد أو المجتمع, وكانت كراهيته هذه أو "نفرته" قوية عارمة, قبض على الطاقة اللازمة لتجنب ما يكره, وابعاد ما ينفر منه.

السؤال: ماذا أريد؟
ضع أما عينك هذا السؤال, في كل موقف, وكل مقام: "ماذا أريد"؟
فإن كل فكرة مهما كانت عابرة, يقتضي تطبيقها, هذا النوع من الطاقة التي تستقيها من الولع. ولا ينشأ الولع إلا بعد أن توضح لنفسك ما تريد, ولا تنشأ النفرة إلا بعد أن توضح ماذا تكره. والعمل بقواعد التأثير الشخصي, واتباع المناهج التي تفضي إليه, يحتاجان إلى "انقلاب نفسي" شامل, وعزم وطيد راسخ, وتغيير للعادات العتيقة, والتصرفات القديمة, والتأثيرات الخاطئة...
هذا يعني أن "الاندفاع" الضروري لبذل مثل هذه الجهود الجبارة, متوقف قبل كل شيء, على شدة ولعك, في جانب, وعرامة نفرتك, في الجانب الآخر. عليك وحدك إذن أن تتمثل ـ بوضوح ـ أهمية النفوذ الشخصي في تحقيق أغرضك, وفوائده في عملك, وقيمته في الحالتين: الاجتماعية والخاصة, وما يقتضيك من جهود وتمارين ورياضات.
إن من يقترب من الثقافة النفسية وهو يتصور أنها تمكنه من النجاح دون جهد يبذله, يصل إلى إخفاق أكيد, وهو لا يشعر بمصيره.
ابدأ من الآن إذاً ببذل الجهد: ضع لائحة بالأمور التي تنفر منها, والأمور التي يستهويك أن تنالها, وقرر أن تعمل لتحقيقها, وأن تمضي فيها مهما كانت الصعاب, ومهما وقفت في طريقك العقبات.

تحليل الذات
إذا وضعت اللائحة المشار إليها, أدركت, فور تأملها, أنك متردد, مضطرب، غير مدرب, تائه في مجاهل الأيام, شبيه بزورق تعطل مجدافه .. فهو يميل مع كل ريح.. وتتقاذفه الأمواج في كل صوب.
لا تخجل, ولتحمر إزاء هذا الواقع الذي اكتشفته في نفسك, فأنت لم تنتخب كيانك النفسي, ولم يكن لك رأي في الأشخاص الذين أنشأوك, ولا أنت مسؤول عن تكوينك الأولي الأصيل, ولا عن الظروف والعوامل والمؤثرات التي خضعت لها إبان حداثتك.
أنت مدين من الآن فصاعداً لنفسك بنفسك فكن صادقاً مع نفسك! وإذا نظرت إلى المرأة التحليلة ـ النفسية, يصبح من مصلحتك, ثم من واجبك, أن تفحص نفسك دون تملق أو انكسار. فإذا لم تكن منصفاً ـ أي تزيد من حسناتك أو تنقص منها ـ لا تخدم قضيتك بشيء. وإذا تملكك الشعور بالضعة حيال ما تلمس من نقائض وعيوب, فعليك أن تثور, أن تتمرد على نقائصك, وتتشدد في مقاومتها, وبمجرد نفرتك منها تتغلب عليها.

أنت أهل للنجاح
لا شيء يمنعك من النجاح فيما تنوي أن تقوم به من أعمال, أو تحقق من أغراض, بعد أن عرفت ما تريد, وحللت ذاتك تحليلاً دقيقاً, وصممت على بذل الجهد, ومضيت في وضع منهج تطبقه لمقاومة العراقيل التي تحول بينك وبين نفوذك الشخصي.

الفصل الثالث
الهدوء
حجرة الزاوية في بناء الشخصية المؤثرة النافدة هو الهدوء. والهدوء ركن ترتكز عليه جميع الدارسات والرياضات والتمارين, في كل تكوين نفسي صحيح. والهدوء نفسه أكبر عامل مؤثر في تحصيل التأثير على الآخرين.
نحن نأتي جميعاً, على هذه الدنيا, ولكل منا مزاج خاص, يسيطر عليه لون خاص من ألوان الهدوء أو القلق أو البرودة أو الحدة:
الصفراويون ينزعون إلى القلق, قلما يحتفظ واحدهم برباطة جأشه. والعصبيون ثائرون دوماً متهيجون. والدمويون يراوحون عادة بين جمود يعقبه انفجار, وانفجار يعقبه خمول. أما أصحاب المزاج اللمفاوي, فإنهم هادئون في الظاهر, لكنهم معرضون لنوبات تحطم أعصابهم كلما وقعوا في مزالق حرجة, أو أصيبوا بدواهٍ مقلقة.
لا مفر للجميع من تحصيل السيطرة على النفس ودراسة وسائل هذه السيطرة, والقيام بما تقتضيه من جهود, بغية الوصول إلى الهدوء النفسي.

معنى الهدوء
ولكن ما هو الهدوء الذي ننشده؟ وما هو معناه؟
إذا كان كل ما حولك من ظروف وحالات وأوضاع شخصية, يحتم الهدوء ويفرضه, يصبح من السهل أن تكون هادئاً.
غير أن الهدوء الذي ندعو إليه شيء غير هذا: أنه موقف تتخذه في داخلك, في سريرتك, في قرارة نفسك رغم المعارضات التي تقاومك, والمصاعب التي تواجهك, والمزعجات التي تبلبلك, والأحزان والمصائب والارزاء التي تتألب عليك في ساعة أو ظرف أو زمن. إنه ضرب من "التماسك" الذاتي الصميم يجعلك تجاه الحادث المؤلم, كأنه لم يحدث.
هذا الهدوء لا يتم في أن تحلم به, وإنما يتحقق بالاجتهاد الدائم الدائب في كل لحظة, بالانقطاع عن الماضي وما فيه من دواعي الندم والأسى والاضطراب, بتغيير نظام الحياة اليومية, واقتلاع العادات المتأصلة, وتبديل الخلطاء والعشراء, والانصراف أخيراً إلى العمل والإنتاج.
ثم يجب أن لا تخلط بين الهدوء واللامبالاة, أو بين الهدوء وبلادة الحس, فالهادئ هو الذي يضع السدود أمام أحاسيسه ويحفر لها القنوات التي تسير فيها, ويوجهها لما فيه سروره وسرور الناس من حوله.

الولع بالهدوء
أفضل ما يساعد على بلوغ هذا الهدوء الذي نصف, أن تتمثل دوماُ الفوائد التي تعود عليك منه, والمتاعب التي تتجنبها بواسطته.
هذا التمثل الذهني يوقظ في نفسك العزم والطاقة اللازمين لبذل الجهود التي يتطلبها تربية الذات, والانتظام الذاتي.
إليك صفات الرجل الهادئ مفصلة واضحة يمكنك أن تجعلها قاعدة تنطلق منها للتأملات والتمثلات الذهنية التي تولعك بالهدوء:
1ـ أعصاب الهادئ وعضلاته مرنة شديدة, وهي تحتفظ دوماً بتوازن عادي, ودرجة معتدلة من الراحة والاسترخاء, وذلك مما يسهل عليها أداء وظائفها الطبيعية في داخل الكيان الجسمي.
2ـ الهادئ يفكر باستقامة, نحو هدف تلتقي عنده جميع الأفكار الفرعية. ويظل انتباهه منصباً على ما ينفذ من قرارات, ولا يبذر طاقته الفكرية سدى.
3ـ استقامة الهادئ تبدو في عاداته, وتتمثل في مسلكه اليومي, فهو يبدأ عمله في ساعة موقوتة, ويسير فيه دون إسراع, ويشتغل بما يعود بالنفع عليه وعلى غيره, وينال أقصى ما يستطيع من إنتاج بأقل ما يمكن من التعب.
4ـ الهادئ يفيد من أيام راحته وساعات فراغه, لأنه يعيش متملياً من حاضره, ولا يرهق نفسه بأحزان الماضي, ولا بمخاوف المستقبل.
5ـ الهادئ يمتنع بطبيعته من إظهار تبرمه في حضور الآخرين, كما يمتنع عن إبراز انهماكه بهم. وهو يصغي لما يلقى إليه دون أن يبالغ في التعجب أو التواضع أو الامتنان أو أي رد فعل داخلي.
6ـ الهادئ يسيطر على ما قد يشعر به من فراغ صبر, أو غضب, أو حدة, ويحتفظ في جميع محادثاته, باعتدال موزون كي يتمكن من التأثير في رؤسائه والخاضعين له.
7ـ الهادئ يتكلم بدقة ووضوح وإيجاز. وليس لكلامه تدفق العجول الذي يريد التخلص من عبء يرهقه, ولذا, يفهم كلامه كل من يسمعه.
8ـ حضور الهادئ يشيع الطمأنينة في نفوس الحاضرين, ويجعلهم يشعرون معه بأنس, وإقبال على الحياة.
9ـ لا يتقبل الهادئ شيئاً مما يعرض عليه من أفكار وآراء, إلا ويجيل النظر فيه, ويتثبت من صحة ما يوحى إليه, كائناً من كان الموحي. ولا يوافق أحد إلى فرض اقتناع عليه أ, انتزاع قرار منه, فهو في يقظة دائمة تتيح له تدبر الآراء, وتأمل العواقب.
10ـ المفاجآت, والمعاكسات, وخيبة الأمل, والصدمات وما إليها من الأحداث لا تفصل عن الحياة, أشياء لا تزعزع كيانه, ولا تضعضع توازنه. فهو يبتعد عن مواطن الضجة والصخب, دون أن ينفق طاقاته في النواح والعويل والارتباك والشكوى, ويتخذ بكل برود, التدابير الضرورية لمقاومة المفاجآت, وتحوير الأحداث ونزع ما فيها من أذى, وينصرف إلى ما تبقى له من وسائل العمل والإنتاج.
11ـ إذا حدث للهادئ خطب رهيب يشل جهود أعوام أو يقضي على آمال جسام, لا يذهب به الحزن في مجاهل لا رجعة له منها, ولا يوغل به العذاب في عتمة التشاؤم الخاذل المخذل, وإنما يحتفظ بثقة في نفسه, ويستجمع قواه لتلافي النتائج السيئة, وبناء مستقبل يرضى عنه.
12ـ الهادئ يتألم موضوعياً لا ذاتياً, بمعنى أنه لا يعطف على نفسه في الملمات الكبار, ولا يحنق من أجلها, وإنما يعيد النظر دوماً في الماضي, وبكل روية وأناة, إلى أن يستعيد قوته رويداً رويداً, وتشتد معنوياته, فيستأنف خوض معركة الحياة وهو مسلح بالعبر الماضية, والمواقف السابقة, حتى إذا واجه معارك جديدة, قال في نفسه: "لقد عرفت غيرها من قبل!"
كراهية الاضطراب
المعروف عن سلوك النفس في داخلها أنها إذا كرهت أمراً, كراهية عميقة,وشعرت اتجاهه بمقت بعيد الغور, توفق إلى تحقيق نقيضه, ومحبة مضادة, ولذا, يصبح من الوسائل الناجعة في توجيه المرء نحو الهدوء, أن نرسم للراغبين فيه, صور "المضطرب" وبشاعتها وحدها كفيلة بجعل رأيها "هادئا"ً. وهذه هي مظاهر الاضطراب:
1ـ يعيش المضطرب في حالة توتر عصبي ـ عضلي دائمة, كما أن توتره الأخلاقي مستمر لا ينقطع. وهذا الأخير يتمثل في اختلال في نبضات القلب. إلى عسرة في الهضم, إلى تعطيل جزئي في انتظام التنفس, وفقدان التسلسل أخيراً في الأفكار.
2ـ المضطرب يفكر عفويا,ً بشكل منقطع, متناثر. فهو لذلك, يضطر إلى بذل جهد شاق كلما أراد أن يستجمع انتباهه ويركز في موضوع معين, لا سيما إذا كان الموضوع تجريدياً, يحتاج إلى تمثلات ذهنية لا سند لها في العالم الخارجي المادي.
3ـ قل أن يجد المضطرب صحوه النفسي التام, ويقظته الفكرية عندما يستيقظ من نومه, فهو لا ينهض إلا تحت ضغط واجباته الملحة! وهو بالرغم من تشدده المادي, واجتهاده الحثيث في تحقيق الاستقرار والاستقامة, يجد أن سهوه كثير, ونسيانه أكثر, ويرى أن عمله يسير ببطء, فيحاول أن يعوض عما فات بحماسة تكلفه تعباً شديداً, لا يلبث أن يلمس صداه في بنائه الصحي العام.
4ـ المضطرب مرهق دوماً, فهو لا يشعر بالراحة والعافية إلا نادراً, وانتباهه يترنح غالباً بين اجترار الساعات الماضية, وتوقع ما يجري في الساعات المقبلة.
5ـ المضطرب "انفعالي النزعة", يأخذ لون الجو الذي يغمره, فأما أن يكون فرحاً مسروراً دون اعتدال, وأما منهمكاً, جافاً, ممتعضاً دون سبب, ولا يملك بين هذين أن يغير جواً أو يخلق حالة جديدة.
6ـ المضطرب قلق, فارغ الصبر, سريع الغضب, حاد المزاج, يقول في هذه الساعة ما يعتذر عنه بعد ساعة, وينفي الآن ما يؤكده غداً, ويتصرف اليوم تصرف الملائكة, وتراه بعد يوم شيطاناً...
7ـ ينزع المضطرب إلى ضرب من البيان المتقطع العجول, وذلك ناشئ عن رغبته في أن يفهمه الناس بأسرع مما يفصح. ونادراً ما يفهمونه فيحس بذلك, ويزداد ارتباكه.
8ـ إذا حضر المضطرب مجلساً ما, أوحى حضوره إلى غيره شعوراً بالانقباض الذي يخامره, حتى وإن ظل صامتاً, جامداً, لا يبدئ ولا يعيد. ذلك بأن إشعاع النفسية المصطبخة يولد تياراً مماثلاً عند الآخرين. فالسكوت والجمود لا يعنيان الهدوء ولا يدلان عليه, بل هما أبعد ما ينبئان عنه, فهناك ـ ولا شك ـ حركات طفيفة, متقطعة, واشارات خفيفة, وعلامات بارزة, لا تنقطع بانقطاع الكلام, ولا تهدأ بهدوء البدن, فإذا ترك صاحبها المجلس, شعر من فيه بالراحة والانشراح!
9ـ يختل التوازن النفسي عند المضطرب, عادة, لدى أقل معارضة، ويكفي أن يخيب أمله مهما كان ضئيلاً في أمر بسيط كان يتوقع حدوثه, ليذهب به اليأس كل مذهب, ويطير به الخيال إلى ما لا صلة له بالواقع ولا بالحياة ولا بالمجتمع.
10ـ إذا أصيب المضطرب بكارثة حقيقية, يفقد القليل مما عنده من برودة الدم, ويرد على المصيبة فوراً دون تأمل أو استيضاح, ويضيع صفاء ذهنه, ويزيد الحالة خطورة, والموقف تعقداً أكثر مما يخفف من سوء نتائجه.
11ـ رغم أن المضطرب يميل بطبيعته إلى النقد المنهجي, ويعترض على أكثر ما يرد من أفكار, تراه ينساق دون احتياط مع كل عرض هادئ من شأنه يطامن, بمعنى من المعاني, اضطراب نفسه, ويدغدغ رغبته الدفينة في التهرب من أفكاره, فالكلمة الناعمة, والخطاب الرقيق, والبيان الفصيح, وما أشبه ذلك ورادفه يحد من معارضته ـ حتى وإن كان فيها على صواب ـ ويشل حماسته, ويقضي على منابع النشاط في ذهنه فيعطي رصاه دون تفكير, ويقرر تقريرات لا يلبث أن يندم عليها فيما بعد, أي عندما يعيد نظره فيها بهدوء وبرود.
12ـ ليس من المضطربين من يمكن أن يكون ذا شخصية ساحرة, أي موهوباً في التأثير والنفوذ , وإن كان فيهم أصحاب كفاءات وقيم رفيعة, فالمضطرب مهما علا منصبه, وتعددت مواهبه, لا يحظى بما يستحق ولا ينال التقدير اللازم, لأنه لا يخلق بطبيعة اضطرابه, مناخاً منسجماً, ولا يفكر في وزن كلماته, ولا في الاحتفاظ بمزاج معتدل, سواء في حياته العامة أو في حياته المنزلية.

الخطوة الأولى
عليك بعد أن عرفت هذين النموذجين أن تجعل الأول منهما قدوة تحتذي, ومثالاً يتبع, والثاني أداة تحذير وتجنب واحتياط.
فإذا لحظت أنك أقرب إلى المضطرب, فثق أنك تصل بالمران والاجتهاد والمثابرة, إلى مساواة الهادئ بسرعة, بل قد تفوقه في شمائلك التي تستحدثها, وجهودك التي تبدلها.
العيب يولد المزية, هذا قانون التكامل عندما يراد الكمال, فليس في الدنيا أجرأ ممن كان جباناً, ولا أصلب ممن كان مائعاً, ولا أهدأ من كان مضطرباً.
لتكن أولى خطواتك إذن أن تضع نصب عينيك "فكرة" واحدة, واهتماماً واحداً, هو تحصيل الصلابة والهدوء. ثم تخضع جميع أعمالك وتصرفاتك ومشروعاتك وأفكارك لتطبيق القواعد الخمس التالية والأخذ بها. وسائل لما تهدف إليه, وهي:
1ـ التوازن الصحي.
2ـ مراقبة الإحساس, التي تفضي إلى الثبات في وجه الانفعالات, والوساوس, والأخيلة, والمقلقات والمزعجات من كل جنس ولون, فلا تستنزلك, من بعد, عن هدوئك ضجة, ولا فتنة, ولا متعة, ولا إغراء, ولا إرهاب.
3ـ التكلم من غير عجلة, فإن من يتدبر وجوه العواقب, ويعرف أثر كل كلمة يتفوه بها, ويحسب لكلامه وزناً, يبطئ في الكلام, ويؤثر السكوت. وقديماً قال الشاعر العربي:
الصمت زين, والسكوت سلامة .......... فإذا نطقت فلا تكن مهذارا
ما أن ندمت على سكوتي مرة .......... ولقد ندمت على الكلام مرارا
ذلك بأن الثرثرة والجدل, والاعتراض وما رادف, أشياء تشبه "الضجة" أو هي الضجة النفسية بعينها, فلا تسترسل معها, ثم لا تستجب لها إن هي راودتك عن هدوئك.
4ـ فتش عن عشرة هادئين وادعين وأماكن بعيدة عن الصخب. ثم
نظم أعمالك اليومية وفق منهج تسير عليه بعد أن تفكر فيه تفكيراً عميقاً شاملاً, ولا تسمح لنفسك أن تحيد عنه قيد شعرة,بحيث يجري وقتك في مناخ مطمئن, وإذا حدث "غير المنتظر" تستطيع أن تدفع آثاره في زعزعة هدوئك بتوقعه مع الزمن, وتلافي نتائجه, إلى أن ينتظم كل مالا تنتظر, في مناهجك اليومية والشهرية والسنوية.
5ـ قرر الآن وتأمل جمال الهدف الذي تسعى إليه, واستلهمه الضياء والعزيمة, وأبدأ في التنفيذ, ولا تسأل عن الصعاب والعراقيل مهما عظمت أو اشتدت, ولا تفكر بغيرك فهذا ما يخصك شخصياً ولا يخصه, وحطم القيود, وتجاوز السدود, وترقب النجاح, وسر إلى الأمام ... نحو احترام نفسك, ونيل حقوقك, وارتفاع مكانتك!
اشرع من الآن في إعادة تنظيم مصيرك على جميع الجهات, رغم كل عائق, ورغم كل مانع, ورغم كل خاذل ومثبط.
كن شجاعاً ... وكن هادئاً, فأنت قادر على الظفر. فالذين ظفروا لم يكونوا أحسن منك حالاً!

الفصل الرابع
تربية النظر
الهدوء يقود إلى الثبات والمناعة, فإذا استطعت أن تطبق المبادئ, والقواعد التي تؤول إلى سكينة النفس, أمكنك حينئذ, أن تخلص من الخجل, أي أن تكون ثابت الموقف, واثقاً بنفسك, لا تبالي حركات الآخرين, ولا تكترث بآرائهم وتصرفاتهم تجاهك, كما يذوب في داخلك كل تأثير لما قد ُتمنى به من خيبة أو إخفاق, في كثير من الأحوال والظروف.
وهكذا...تخلص أيضاً من قابليتك للانفعال السريع التي تُخضع صحوك النفسي لموقف الآخرين منك ، وتفتح استقلالك بيدك إذ يسود الفكر الواعي اليقظ جميع غرائزك، وأخيلتك ، وتصبح إرادتك هي العليا شأن من شؤونك الشخصية.

تأثير النظرة
للنظرة تأثير قوي في الآخرين !
هذا هو الشائع المعروف. ولكن الأصح أن نقول :
"للنظرة تأثير قيم، في بعض الأحوال والظروف و المواقف"
والواقع أن العين لا تؤثر بنفسها، ولا تملك خصائص مؤثرة، نافذة، إلا بمقدار ما للمصباح الكهربائي من خاصة الإنارة، أي أن العيون تستقي المصباح نوره من القوة المولدة للكهرباء، فهناك وراء الآلة البصرية (العين) ينابيع الطاقة التي تمدها بالسحر والفتنة: الفكرة و العاطفة، و الحرارة العاطفية ، وما في كل واحد من قوة ، تتجمع وتتفاعل، ويولد من تجمعها وتفاعلها ، قوى مغناطيسية شخصية.

التسمر أولاً
الأثر الذي تحدثه نظرة شخص في آخر، هو قبل كل شيء دليل على درجة قابلية الانفعال عند المتأثر.
قد تنظر شزراً لولد تريد توبيخه وتوفق معه إلى بغيتك من النظر الشزر وحده ، ولكن هذه النظرة نفسها تبدو مضحكة مع غيره، كما أنها إذا تكررت مع ولد آخر، تعودها ووقف أثرها فيه. وقد رأيت من الأولاد من يسمرون أنفسهم، ويديرون رؤوسهم عندما يشعرون بثقل النظرة، فيقاومون تأثرهم، وينخطفون بمهارة ....
إذا رأيت امرءاً يحاول أن يؤثر فيك بما يصوب إليك من نظرات، فقلد الولد: تسمر في مكانك ولا تدر رأسك عنه، ووجه نظرتك فوق مخاطبك، أو تحته، أو يمينه، أو شماله، مسافة ثلاث سنتيمترات لتتمكن بعد ذلك من وزن عباراته، وتأمل ما يقوله دون ذهول، إذ يمتنع في هذه الحالة، كل انحراف أو اضطراب يعتري حاسة النقد لديك، ويظل تمييزك محتفظاً بصفائه الطبيعي، فإذا اصبح ذلك عادة فيك، بدأت بتطبيق أول مبدأ من مبادئ تربة النظر.
هذا في المنزلة الأولى. والثانية تكون في أن تصوب نظرك، عندما يأتي دورك في التكلم، نحو النقطة المتوسطة الواقعة بين عيني من تخاطب، واضعاً في ذهنك انك لا تريد التأثير فيه، بمعنى انك لا ترغب في السيطرة عليه، وإنما تريد اجتذاب انتباهه وحصر ذهنه عند نقطة معينة.

ألوان العيون
ها أنا أضع أمامك معاني الألوان التي تظهر في مختلف العيون, كي تعمل على استظهارها وملاحظة الانطباعات التي تولدها فيك وفي غيرك من الناس, ثم لتلمس تأثير النظرة بما حول العينين من الجفون وأهداب وما فيهما من حور ودعج واتساع, بعد ذلك.
العيون السود العميقة السواد, تخفي وراءها حرارة نفسية فائقة غير عادية, وهذه الحرارة تنشأ من هوى ملح ـ بالمعنى الأخلاقي ـ وعنف في الإحساس يتمالك ولا يتهالك, فكن واثقاً أما هذه العيون إن صاحبتها (أو صاحبها) لا تستطيع أن تحب أو تكره إلا بشكل حار شديد أعمى, فهي ذات طبع كامل, غامض, حساس, نزاع إلى رفض وصايته على كل من يحيط به من الناس, فمن الأفضل ألا تثيرها وتزيد من حدتها, على الأخص.
والعيون الزرقاء الفولاذية تنبئ عن رجل حازم, ذي عزم متين, صارم شديد.
أما العيون الزرقاء, الباهتة في زرقتها, فهي للحالمين العاطفيين السابحين في الخيال, اللامبالين بالدنيا وهمومها, فهم ابداً سادرون. ابداً سطحيون, لا يُعترف لهم بفضل, ولا يقدمون على المغامرة.
وأما العيون التي تتراوح بين السمرة والكستناوية في عديد من الألوان, فهذه لذوي الاستعدادات المثالية. وأكثر أهل الفكر يدخلون في الافاريق اللونية من ألوان العيون.
والعيون الخضراء تعني غرابة الميول العقلية والعاطفية والشهوانية, فهي طوراً عبقرية, وطوراً هوائية هبائية. وطوراً غير اعتيادية. ومثلها العيون التي تضرب حدقاتها الخضر إلى اصفرار.
والعيون الرمادية تشير أكثر ما تشير إلى استعدادات موضوعية, دقيقة, تجريبية, واعتدال في الطباع, واتزان نادر المثال.
العين: أداة لمعان
كل سطح لماع يسترعي الانتباه، ويجنح بمن يراه نحو الانكساف الذهني، وتشوه رهافة الوجدان النفسي، و انطفاء ملكة التمييز، فإذا بلغ هذا التأثير منتهاه في بعض النفوس، وقع ما يعبر عنه الناس عادة بقولهم: "افتتن" أو "خلب لبه" .وحالة الافتتان هذه ليست، في تحليلها الأخير، غير "خمود المناطق العليا من الحياة النفسية". وإذعان الإرادة والذكاء لما يمليه اللاشعور (المنطقة السفلى من الحياة النفسية).
وهذه هي صورة المناطق النفسية، كما يمكن تمثيلها:
مناطق النفسية العليا
الوجدان النفسي: التمييز، المعيار المنطقي، التحليل الذاتي.
الفكر الواعي: العقل، الانتباه الإرادي، المقررات و الامتناعات المدروسة
مناطق النفسية السفلى
ما تحت الوجدان: الحركات الآلية، التصرفات اللامسؤولة، الخيال.
الفكر العفوي: الميول، قابيلة الانعفال، قابلية التأثر، الحساسية، الذكريات.

وحدة العين سطح لماع تمده الحياة النفسية الحارة بلمعانه، فكلما اشتدت حرارة العواطف، وقوة الأفكار، ومتانة العزم، ازداد لمعان الحدقة.
عليك، إذا أرادت أن تكون ذا عينين ساحرتين، أن تتجنب في الدرجة الأولى، كل ما يؤول إلى التسمم من الأغذية، (الكحول خاصة).
وعليك، في الدرجة الثانية، أن تكحلهما يومياً بكحل خاص، من شأنه أن يستخرج طبقة الغبار التي تتكاثف حول مدار العين، ويريح أعصاب الأجفان، ويسهل فتحها وإغلاقها.
وعليك أخيرا، أن تقوم بتمارين وتدريبات تؤدي إلى الإقلال من الرمش، وتحسين الأهداب، فإذا أخذت في الكتابة أو القراءة، حاول دقيقة أو دقيقتين، ثم طوال خمس دقائق، ثم عشر، ثم خمس عشر، وتابع المحاولة إلى أن تصل إلى الساعة ولا يطرف لك أثناءها جفن. ويساعد على هذا التمرين أن ترفع بملء اختيارك الجفن الأعلى، إلى فوق. وفي أوقات فراغك، حاول أن تصوب نظرك إلي نقطة معينة، ولا ترفعه عنها، وأنت محتفظ بصلابة جفنيك مدة طويلة.

استعمال النظرة
إذا توصلت إلى وضع عينيك, وحركات محجريك, وتعبيرات وجهك, رهن مراقبتك الفكرية اليقظة, فأبدأ إذن, من هذه النقطة التي بلغتها, باتباع المسلك الآتي:
احتفظ ببرودة مطلقة وأنت تعمل, وأنت تخاطب هؤلاء وأولئك من الناس, وأنت تصغي لما يقوله الآخرون. ولتكن عيناك مسمرتين, مفتوحتين فتحة طبيعية, عادية, لا ترمشان أبدا, ولتكن أفكارك وردود أفعالك ـ مهما عظمت وقويت ـ هادئة, سادرة, معماة.
هذا لا يعني, طبعاً, أن تستقر جامدة, عبوساً, صامتاً, فإذا كان ثمة ما يدعوا إلى تدخلك أو مشاركتك في الحديث, فاجتهد أن تعطي وجهك, عن سابق تصور وتصميم, العبارة اللائقة, دون أن يغيب عن بالك أن ما تقوله, والطريقة التي تقول بها, أمران مهمان أكثر من النظرة وعبارة الوجه.
إياك أن يخونك القلق الذي يساورك, أو الحزن الذي يخالجك, أو الاستياء الذي يفعم سريرتك, أو الاستهجان الذي تبطنه في قراراتك. سيطر على نفسك في كل لحظة أياً كان الظرف, ومهما كانت الأجواء, تعط بذلك صورة قوية مرتاحة, ونظرتك تستولي على نظرات الذين تخاطبهم, وهم يصغون إليك بانتباه مطمئن بليغ.
وإذا خوطبت بلوم أو تأنيب فاستمع ولا تتململ, واظهر كمن يسجل ملاحظات قيمة. فإذا كان ما يوجه إليك عارياً عن الصحة, أو في غير محله, أو لا أساس له, يتضح ذلك فوراً بمجرد موقفك الهادئ, ورصانتك في الرد عليه.
وإذا كنت, على العكس, موضع تكريم, فتقبل ما يلقى إليك دون أن تبدي به سروراً زائداً, وأذكر دوماً, في مثل هذه المواقف, المبدأ العام وهو أن رأيك الشخصي المعلل, في نفسك واعمالك, أهم بكثير من آراء الآخرين فيك.
والأفضل دوماً أن تتبع القاعدة الكبرى وهي أن لا تبدي "انهماكاً" في أي موقف من المواقف, فلا احترا مات زائدة, ولا تملق, ولا إعجاب, ولا تعاطف مصطنع, فتكسب بذلك رغبة الآخرين في التقرب منك, والتودد إليك. وهنا أيضاً, ينبغي لك أن تتصون وتعتصم بالهدوء وعدم الاكتراث.
والقاعدة العامة هي: كلما منعت عواطفك وميولك ومضلاتك التي تحركك وتهزك, من الظهور والتمثل, وكلما بقيت آراؤك ومقاصدك ومعارفك "أسراراً" محجوبة, ترتفع درجة قوتك الجاذبية, وتتأكد مغناطيسية ذاتك.

المغناطيس الجسمي
كلنا نبث, من قريب, إشاعات محض حيوية, وهي المغناطيس الحيواني الذي لا يتجاوز ميدان نشاطه مدى مترين أو ثلاثة, كما تفيض,أو تتدفق, حول كل منا, موجات مغناطيسية في دوائر ضيقة, تنبعت من أطراف الجسم الدقيقة (الشعرـ الأهداب ـ الجفون ـ أطراف الأصابع). وكل قرار أو نية حازمة صارمة بتوجيه هذه الإشاعات نحو نقطة معينة من جسم شخص آخر, تمكن الموجة من التأثير فيه. فإذا صوبت نظرك بلطف ونعومة على جبين مريض بالصداع مثلاً, وكان المريض مضطرباً, متهيجاً, لا يلبث أن تؤثر فيه تأثير ناعماً, يرده إلى حالة من النعاس الهادئ, قد ينتهي إلى غفوة لذيذة.
ويمكنك أن تفيد من المغناطيس الجسمي فوائد جمة إذا أحسنت استعماله لما فيه من تهدئة الآخرين, وإيقاظ عواطفهم الرقيقة, ومقاومة انفعالاتهم الهائجة, وحالاتهم العصبية.

الصور الذهنية
لابد أن تزيد كمية الانتباه إذا أريد التقاط صورة ذهنية, عما هو الأمر في نقطة مرئية. انتخب شخصاً تعرفه جيداً, في مظهره وفي نفسيته, بحيث يكون تمثلك الذهني له بالغاً منتهى الضبط والدقة, ثم اجلس في مكان هادئ مظلم (أو في ضوء أزرق وراء وجهك) بعد أن تكون واثقاً من أحداً لن يأتي ويزعجك, وامضِ, خلال عشرين دقيقة إلى ثلاثين, في النظر إلى الصورة الذهنية التي انتخبتها, وأعد هذا التمرين عشرين مرة إلى ثلاثين, تجد أن لقاء هذا الشخص, بعد هذا التمثل, يؤدي بك إلى النتائج التي تريدها معه, شرط لأن يكون الشخص المعني يجهل كل شيء من أمرك.
ذلك يزيد من صلابتك أمام كل من تهاب من الناس, ويجعل نظرتك إليه أثبت من قبل...

الفصل الخامس
المظهر والتصرف
للمظهر العام الذي يظهر به الشخص هيكله الجسمي, إلى هندامه, إلى طريقة لباسه, كما لتصرفه في الكلام, في الجلوس, وفي القعود, في الإصغاء, في المشي, كل التأثير في تكوين سحره الشخصي.
هذه الدقائق هي التي يستند إليها الناس عن وعي وغير وعي في بناء أفكارهم عنه, واعطاء آرائهم فيه, وهي التي ينبغي لك أن تعنى بإدراكها عناية خاصة, لتخرج إلى مسرح الحياة منسجماً مع الأدوار التي لا مفر لك من تمثيلها, سواء رضيت أم أبيت.

الهيكل الجسمي
ما من أحد في هذه الدنيا يختار, قبل أن يولد, مكان ولادته, ولا العصر الذي ينشأ فيه, ولا مركز أهله وأجداده في الحياة العامة, ولا صفاتهم وميولهم واتجاهاتهم وعقليتهم.
كذلك لم يقدر لأحد قط, أن يختار طول قامته, ولون عينيه, ودورة وجهه, ومقدار حجمه المادي. ولكن يمكن ايلاء هذه الأشياء كلها ضرباً من الانسجام والتناسق, عن طريق الجهد والفن, يجعلهما ذات رونق وهيبة وجمال.
إن اتباع القواعد الصحية العامة, واداء التمارين الرياضية, وتحقيق الهدوء النفسي, وإزالة الغضون من الوجه, وانتظام السير اليومي في العمل والراحة والنوم الهانئ, والاجتهاد في القيام بكل ما تتطلبه النظافة, أمور تفضي حتماً بمن ينفذها بدقة وضبط, إلى جعله شخصية ساحرة.
أما ذوو العاهات الجسمية, فعليهم أن لا يرزحوا تحت نيرها, وأن لا يرهقهم أمرها, فإنهم إذا عزموا, وجدوا واجتهدوا, تحولت عاهاتهم نفسها إلى وسيلة من وسائل النجاح والتوفيق.
كان أبو العلاء المعري أعمى, وبلغ مع ذلك من رفعة القدر وبعد الصيت ما جعله إمام معاصريه.

المظهر
وإذا كانت قسمات الوجه, وتقاطيع الجسم "معطيات" ناتجة عن ضرب من القضاء والقدر يسبق وجودنا, فإن إظهار هذه القسمات والتقاطيع, وإيداعها الانسجام والقوة والجمال, أمران يدخلان في حيز الإدارة البشرية والعناية وحسن التدبر وبعد النظر والذوق المصقول المرهف.

قيادات الذات
لا شيء يجعل انسجام التصرف سهلاً يسيراً, مثل التفكير الدقيق, المتواصل, في استعمال كل يوم من أيام الأسبوع, ووضع منهج للأعمال اليومية, والسير في تطبيقه بدقة وروية.
ذلك يجنبك كل تسرع يثير في داخلك القلق والاضطراب, ويحملك في الخارج, على تصرفات تزعجك ويضيق بها الآخرون, وقد ألححنا من البدء, على أولوية الهدوء في بناء الشخصية الساحرة.
وإذا أنت قضيت, لدى كل مساء, بضع دقائق في تصور مشاغل الغد, وتركيز فكرك في واجباتك العلمية والاجتماعية, انتهيت, بعد زمن, إلى تجنب كل تعب, والتخلص من كل اضطراب, وقوي تأثيرك وعظم نفوذك على نفسك, وعلى الآخرين من حولك, الذين يشاهدون في حياتك النظام والانسجام.
إن ذوي "الأمزجة المتغيرة" ممن يبدو عليهم دوماً فراغ الصبر, وسرعة الحدة, وينساقون مع نوبات الغضب أو الانشراح, يقودون أنفسهم في وجه معاكس كل المعاكسة لما يتطلبه سحر الشخصية وملكة التأثير. هؤلاء يحملون أعصاب غيرهم ما لا تطيق, ويجعلون انطباعاته عنهم مؤلمة, كئيبة, مقلقة, تولد فيه النفرة والكراهية. فإن من لا يضبط نفسه, ولا يتحمل ما قد يؤذيه, محافظة منه على شعور الآخرين وكرامتهم, لا يستطيع أن يحظى باعتبار صحيح, واحترام عميق.

الترصن
يستطيع المرء بقليل من الانتباه, أن يتوصل إلى حذف الصيغ والكلمات والتعابير, من أسلوبه الخاص في الكلام, التي يكررها الناس في مختلف المناسبات, دون أن يقدروا معناها الحقيقي, وقيمتها الفاعلة.
ذلك بأن ما تواضع عليه الأكثرية, أو اعتادوا بيانه, ولا يوافق عقلية السامع، ولا يتكيف معها بذوق ومرونة، فيصبح، والحالة هذه، من الأفضل أن تعتاض عن الجملة التي "تحضرك عفواً" بكلمات انتقيتها أنت ووزنتها وفكرت في صداها وأثرها، إلى أن تكوَن لنفسك بنفسك أسلوبا خاصاً، و "لغة" أو بياناً خاصاً.
اسهر إذن على "أن لا يفوت منك" ما لا ترضاه، على أن لا يمر لشفتيك لفظ لم تفكر به قبل التلفظ، وزن الألفاظ بحسك، بذوقك، فأنت تستطيع أن تقول كل ما تريد أن تقول دون أن تؤذي سمع أحد، أو تصدم أحداً.
هذا لا يعني أننا نريدك على أن تتكلف وتتصنع أو تتحذلق.
لا.....وإنما نوصيك دوماً أن تكون واضحاً وبسيطاً، والبساطة والوضوح لا ينفيان الأصالة والابتكار، فالفروق الدقيقة بين التعابير، هي المهمة، وهي الخطيرة.
وإذا أنت أصغيت إلى البارعين في الخطابة ممن عرفوا بذاربة اللسان، وقوة العارضة،وحللت عوامل تأثيرهم في السامعين, أدركت ما لا نستطيع أن نصفه لك, أو نرشدك إليه.
الموقف
قلنا, ونؤكد أن "الانهماك" تصرف غير حميد, إن لم يكن ذميماً. وهو يختلف عن "إسداء المعونة" الذي يحمده, بل يجب القيام به في كثير من الظروف.
والفرق بين الموقفين: الانهماك وإسداء المعونة, إن الأول ينطوي ضمناً على شيء من العبودية, بينما الثاني يتطلب استعانة موجهة إليك, أو رغبة في تدخلك. ومتى حكمت أن من اللائق أن تتدخل فاعمل دون أن تعلق على تدخلك أدنى أهمية, ثم إياك أن تمنَّ بمعونة أسديتها, أو تشعر الآخرين بها, أو بقيمتها في نفسك, ولا تحتفظ بضغينة ـ حتى ولو بحق ـ على أي كان.
سجل أساليب كل امرئ أو امرأة في التصرف واتخاذ المواقف, بغية أن تستخرج منها الإلهامات التي تفيدك في مسلك تجاهه أو اتجاها, في المستقبل. ولا يغب عن بالك أن تسعة أعشار الناس يفكرون ويتصرفون بشكل آلي يحتمه عليهم تكوينهم النفسي الداخلي الذي لم ينتخبوه. فالتبعة فيه لا تقع على عاتقهم, وهذه التبعة تنزل أحياناً إلى درجة الصفر. فلنكن إذن متسامحين معهم, في الوقت الذي نأخذ فيه أقصى ما نستطيع من احتياطات في علاقاتنا بهم, وتقدير كمية الثقة التي نوليها لكل منهم.
يجب أن تقف متماسكاً, هادئاً, حيال أي شخص بالغاً ما بلغ منك الاستياء منه, وبالغاً ما بلغ خذلانه لك, فإنك تبذر طاقتك النفسية, على غير طائل, حين تظهر الغضب أو البغض...

التهذيب والتأثير الشخصي
المقصود عادة من كلمة "تهذيب" يتلخص في أن يطبق الشخص سلوكه على القواعد التي يراد منها تجنب الاصطدامات, ومراعاة شعور الآخرين, وعدم مضايقتهم وإزعاجهم إجمالاً في الحياة الاجتماعية.
هناك لياقات تعارف الناس على العمل بها, يمكن للشخص أن يكتشفها, ويلاحظها, ويدرسها, ويمضي في تطبيقها إلى أن يملك أسرارها الخفية مع الزمن, ويصبح قادراً على ولوج أية بيئة, وأي محفل, دون ارتباك, أو اضطراب, أو انزعاج.
إن المهذب, ذا الحساسية الدقيقة, يستطيع أن يتصرف بمرونة وصفاء ذهن, حين يُعمِل ذوقه, ويستجيب لما يمليه عليه حسن الترصن, في كل موقف من الموقف, دون أن يطالع الكتب الخاصة بالتهذيب أو يطلع على "فن الحياة".
ثم أن التهذيب يزيد في قيمة المهذب, ثم يزيد في نفوذه على الآخرين, فليراقب المرء في نفسه الحركات والإشارات والمظاهر والألفاظ التي تسيء إلى فكرة الناس عن تهذيبه ودرجة تهذيبه.

روح النضال
مراس الثقافة النفسية يعني "إرجاع التيار", التيار الذي يسوق المرء على غير هدى, وينساق فيه من لم يؤت روحاً نضالية كافية ليقاوم اللجج, ويأخذ الوجهة التي يعرف أنها هي اللازمة.
لا ريب أن الاستعاضة عن التصرف الآلي, بتصرفات موزونة, واعية, أمر عسير. فالمعتاد, أو الطبيعي, يجنح بالإنسان دوماً إلى إبقاء القديم على قدمه, فهو يعود, ويعود, ويصر على العودة كلما تراخي المرء في مقاومته, واسترسل مع تهاويله.
لذلك, لابد من الثبات في حومة النضال, والوقوف الصلب الشديد في وجه العادات القديمة, والحركات الآلية, والمضي في تنفيذ القرارات الجديدة التي يتخذها الإنسان لتحقيق الهدوء, وتربية النفس, واصلاح الجسم, وتنظيم الوقت, والانصراف إلى العمل والإنتاج.
يجب أن تنزع من ذهنك كل ما سبق إليه ورسا فيه عن "الطبع" و"العادة" و "الأساس النفسي", فكل شيء في الطبيعة الإنسانية قابل للتغير والتحول والتبدل, فمحاولاتك التي بدأتها في تحصيل النفوذ الشخصي والسيطرة على نفس, وتحويل مجرى حياتك اليومية لما فيه خيرك المقبل, وسعادة وطنك وقومك أمتك, موفقة لا محالة ... وأن تعثرت خلال سيرها بما يشل نشاط الضعاف الذين لا يثبتون في المعركة, ولا يستمرون في الكفاح.
قف في وجه التيار الذي يحاول أن يجرك إلى الماضي, واثبت أمام الصعاب, وثابر على بلوغ الأهداف التي رسمتها بعد الدرس والمذاكرة, ولاتهمنك العثرات أو السقطات التي قد تؤخر سيرك, أو تضعف همتك.
لا تتوان في النضال, ولا تخسر ثقتك بنفسك, مهما كانت تعثراتك وتردداتك, فما من عظيم حقق عظمته إلا بعد زلات وأخطاء كثيرة, وسر عظمته أنه تجاوز نفسه, وثبت في المعمعة.

اعتراض مردود
سيقول القارئ في سره: ... (ولكن هذه المراقبة الأبدية, المستمرة للذات, وهذا الجهد المتصل الذي لابد من بذله في الإشراف على سير النفس وتوجيهها, ليس مما يجذب أو يفرح. والمؤلم المزعج في الأمر, هو هذا الانضباط, والامتناع عن طلب الشهرة, والتخلي عن إفشاء أسرار النفس, وتجنب التعاطف مع الآخرين."
هذا اعتراض مردود, فإن ما يبدو مؤلما ـ بادئ الأمر على الأقل ـ في تطبيق مبادئ التأثير الشخصي, وقواعد الانتظام الذاتي, ليس قائماً فيما يتطلب هذا التطبيق من انتباه وحذر واحتياط وانطواء على النفس, وإنما تتركز الصعوبة في تغيير العادات, والاستعاضة عن التصرفات الآلية في بناء الكيان الحيوي العريقة في القدم إلى سنين متطاولة, بتوجيه جديد, يعاكس التيار القديم.
كل تغيير, يمر خلال تحقيقه, بدور تكيف عسير على النفس, شديد في معاملتها, أية كانت جاذبيته, وأياً كان إغراؤه.
تغلب على شدة هذا الدور وعسره, واثبت وانتقل منه إلى غيره, لا يلبث أن تتعود, ويصبح من العسير عليك أن ترجع إلى أيامك وعاداتك.
أن الذي يمارس الرياضة البدنية اليومية, لا يشعر أو تمرسه بغير التعب والاسترخاء, حتى إذا قضي فيها بضعة أسابيع, أصبحت حاجة لا غنى عنها, ووجد فيها لذة كلما وصل إلى وقتها الذي خصصه لها, في الصباح.
كذلك هو شأن كل من يحمل نفسه على تغير ما فيها من هنات واضطرابات, فإنه يجد بعد أن يجتاز مرحلة التكيف, متعة لا تعدها متعة, في محاسبة نفسه, والتشدد تجاهها في كل ما يصدر عنها من حركات وتصرفات عفوية. وعندما يصل إلى قطف الثمار, من شعور بالثقة, إلى هدوء, إلى راحة ضمير, إلى إنتاج مادي ومعنوي, إلى استقلال في الرأي والتصرف, يدرك أن اعتراضاته لم تكن في محلها, وأن السعادة هي ما حققته وانتهى إليه.

انتقال
ننتقل الآن من المظاهر إلى الجوهر, أي من التأثير المنظور إلى اللامنظور, إلى سحر الشخصية الذي يتمثل في أعمال النفس, لا في إطلالة الشخص.
هنا, لن يقف الأمر عند إخضاع مظاهرك المنظورة لقواعد دقيقة فحسب, وإنما يتعداه إلى "أعظم فتح" يمكن لامرئ تحقيقه على أديم هذه الأرض, إلا وهو "حكم الحياة النفسية" والسيطرة على الذات الخفية, أي على الفكر, بعبارة موجزة. وهذا ما سنتناوله في الفصل القادم..

الفصل السادس
التأثير اللامنظور
هناك... على هامش الفعاليات العضوية الصامتة, التي تنظم البدن ووظائف الأعضاء والحركات العصبية والدموية والتنفسية, تقوم حياة داخلية أخرى هي الحياة النفسية التي يحيا بها الكائن الإنساني.
هذه الحياة معقدة, متشابكة, ولكن تتمثل في مظهرين قويين: 1ـ الحساسية, أو الميول والنزعات, والأهواء, والكراهيات والعواطف, وما شابه ذلك.
2ـ الوعي, أو التمييز, والفكر المدروس الموضوعي, والمنطق, والعقل.
وللحياة النفسية أصداؤها أو تأثيراتها المباشرة السريعة, ليس على أنفسنا فحسب, وإنما هي ترسل أو تبث "إشعاعاً" خاصاً, ينتشر في الفضاء ويمتد مع الزمن, ويحظى بنفوذ معين على ألئك الأشخاص الذين يهمنا أمرهم, ويهمهم أمرنا, كما أن له تأثيره في العوامل العديدة التي تتجمع وتتفاعل وتولد الأحداث القريبة والبعيدة التي تنسج منها خيوط صيرورتنا المجهولة آنيّاً لدنيا, والتي تتضح بعد وقوعها.
ذلك هو التأثير اللامنظور.

النشاط النفسي
نشاطك النفسي يثير ـ أية كانت حدته ـ مغناطيسيات وكراهيات, ويخلق ممكنات ومستحيلات, ومجموع هذه الأشياء يؤلف ما نسميه "المغناطيس الشخصي".
وهكذا, نجد أن كل كائن إنساني قد وهب خاصية "إشعاعية" تختلف سطوعاً وخموداً حسب درجة نشاطه النفسي, كما تختلف نتائجها وأصداؤها حسب دقة توجيهها. فاعتبار المغناطيس الشخصي "امتيازاً" يناله المحظوظون, أو العباقرة الموهوبون, أو بعض ذوي السطوة والسلطان, أمر مخالف للحقيقة, ينأى عنها وينحرف انحرافا تاماً...
ثم لابد من الإشارة إلى أن مغناطيس الشخصية لا يحصل بمطالعة الكتب, ولا بالدرس النفسي, فالكتب إنما وضعت بعد ملاحظات وتحليلات للقوانين والقواعد التي تهيمن على الظواهر النفسية.
قلت, ألح, ولا أزال أقول: إن أي شخص يستطيع أن يحقق تأثيراً لا منظوراً, ذا قوة هائلة, مهما كان زرياً, خاملاً, بعيداً عن الأوساط النافذة, والمقامات العالية.
فإذا رافق الحياة الداخلية الحارة, الشديدة, صفاء الذهن, ووضوح في التميز, ومضاء في العزم, أصبح صاحب هذه الحياة جذاباً, مؤثراً, مهما عورض في مجتمعه, وعوسر في بلوغ أهدافه. فهو لابد واجد من يتكئ عليه, أو يستند إليه, ويحرز معونته.ولنضف إلى ذلك, إن انتصاراته الشخصية تمسي أهم وأكثر من انتصارات ذوي المظهر الرائع, لأن حرارة حياتهم النفسية الضئيلة, خافتة.

من أنت؟
أنت الآن, في وضعك الراهن ـ وبما هو جوهري على الأقل ـ نتيجة أو "محصلة" تعاونت على إيجادها حقائق نشاطك النفسي السابق. ووضعك المقبل, القريب والبعيد على سواء, أمر داخل في حدود ما تحتم, وما تريد, وما تعمل. وانك لبالغ ما تهفو إليه, في حدود ما تبذل من مجهود في سبيل صحتك, وكرامتك, وانتظامك العملي, وزيادة معرفتك, وتوسيع دوائر إنتاجك.
إن أقل فكرة عابرة تخطر لك, تعين على إيجاد جاذبيات وأحداث. فاشرع من الآن, في توجيه حياتك النفسية, تصل بذلك إلى التأثير الواعي على الآخرين, وعلى اثر الظروف نفسها في كيانك الشخصي والعام.
العامل الكوني
هناك عامل كوني ينقل الأفكار والآراء والعواطف والخواطر, أو يبثها على المدى الأوسع الذي لا يعرف أحد سعته, ولا يملك أن يقيسها.
أما كيف نفهم هذا العامل, وكيف يصح تأكيده, وكيف نقنع من لا يقتنع بوجوده, فهذا ما لا سبيل إليه إلا عن طريق التشبيه.
وقف منذ أكثر من نصف قرن, بعض العلماء يقرون أن في الإمكان الاتصال دون سلك بأبعد الناس. وكان فيهم من يدعي أنه يعرف أسرار البرقيات اللاسلكية, فما أن تناقلت الصحف خبر هذا الاختراع حتى لوى "الواقعيون" برؤوسهم, وسخروا قائلين: "كيف يمكن نقل رسالة في الوقت الذي لا يصل بين المرسل واللاقط أي سلك؟".
ثم كانت التجربة التي أيدت ماركوني, واديسون وغيرهما من العلماء فيما ذهبوا إليه.
الأكيد هو أن "نظرية العالم المغلق" القديمة, التي يرقى بها القدم إلى آلاف السنين, كانت ترى أن هناك عاملاً كونياً دقيقاً, في منتهى الدقة, ينفذ خلال المادة مهما بلغت من الصلابة, لينقل أي إشعاع كان. وهذا العامل هو ما يسمونه "الأثير" في علم الطبيعة.
والأثير هو الذي ينقل لنا الموجات التلغرافية والموجات الإذاعية في جميع محطات العالم, والتلفزيون أدهش من التلغراف والراديو معاً لأنه ينقل الصورة خلال الأثير, بالإضافة إلى الصوت والصورة والإشارات والحركات.
الواقع أننا نسبح جميعاً في أثير واسع, وهذا ينقل إلينا تأثيرات تفعل فعلها في كياننا, على غير وعي منا, وتتسرب داخل العناصر الغامضة التي تتولد من تجمعها وتفاعلها مع أفكارنا, من جهة, وتنتعش ـ أي التأثيرات ـ باهتزازات تبثها استعداداتنا النفسية, إشعاعيا.ً
نحن إذن على صلة دائمة, بجميع الكائنات, وبالأفراد والأشخاص الذين نعرفهم ولا نعرفهم, خاصة, ممن يتعلق بهم تحقيق ما نتمنى. وهذه الصلة هي ذلك العامل الكوني, الكامن في طبيعة الأشياء, الخفي عن الأعين خفاء كلياً, مطلقاً, تاماً.

ينابيع القوة النفسية
قلنا أن قوة الحياة النفسية, وشدة حرارتها هما اللتان تحددان مباشرة, درجة الضغط الداخلي, لإخراج المغناطيس الشخصي. فمن كانت حياته النفسية ضعيفة باردة, كان تأثيره الشخصي باهتاً, سقيماً. ومن كان قوياً في داخله, شديداً في تحقيق عواطفه السامية وأفكاره الواضحة، كان نفوذه فائقاً، غريباً، فمن رفع درجة نشاطه الداخلي، وقوة حياته النفسية ازدادت فيه خاصة الإشعاع، وحين يكون النشاط الداخلي_النفسي ضعيفاً، يضعف معه إشعاع الشخصية.
لا تخضع إذن لشيء، ولا تهن أمام عقبة كائنة ما كانت، ولا تذعن إلى صعوبة.
لا تخضع لما تستشعر أحيانا من عجز صحي، أو ضعف مادي. لا تخضع لظروفك.
تمردـ في ذهنك ـ على كل مالا يرضيك، وحافظ على ثورتك الداخلة، وقرر أن تزيد في قواك، أن تدرك المستوى الثقافي الذي يستهويك، أن تنال المنصب الاجتماعي الذي ينسجم مع ميولك ونزعاتك.
اغلق أذنيك دون الفضوليين، والقدريين والمخذلين المثبطين من كل جنس ولون. وامض إلى الأمام، بسكوت هادئ مستغرق، وأنت في صمتك البليغ هذا، مستمر في سيرك إلى الأمام، دوماً إلى الأمام، ثم لا تلبث بعد ذاك أن تجد انك قادر. فكل من عزم قادر، حين يعي ما عزم عليه.

مع الآخرين
أجمع الباحثون المحدثون على أن فعاليتنا النفسية وإشعاعها, أمران يسيران حسب قانون طبيعي دقيق يمكن وضع صيغته كما يلي:
" الأفكار والأعمال التي هي من طبيعة واحدة تتجاذب, وتخلق أو تزيد الاعتبار والتعاطف, والثقة, والحب بين الأفراد. والأفكار والأعمال التي هي من طبيعة متعارضة تتدافع, وتفتح الباب أمام الكراهية, والحذر, وسوء الظن بين الأفراد."
لا غنى عن إعادة النظر في هذا القانون النفسي, بغية شرحه وإيضاحه, فعندما تقرر مثلاً " أن الخوف يجذب الخوف" وأن "الكآبة تجذب الكآبة" فأنت تعني بذلك الخوف والكآبة اللذين يلقي إليهما المرء بنفسه دون أن يعمل شيئاً, ففي اللحظة التي يوجد بها الخوف حالة التنبه والحذر, والتفكير باتخاذ الاحتياط والعزم الصريح على تجنب أسبابه, تأخذ النتائج التي يقضي عليها الخوف, ويشجبها كل عاقل, سبيلها إلى الانخذال والانحلال.
وإذا كان العكس, أي وقف المنخذل ـ والانخذال بداية الكآبة ـ متمرداً على شعوره, وانبثقت في نفسه النية الصارمة الصادقة على عمل شيء ما للخلاص من حالته النفسية, فإن انتقال كراهية هذه إلى الشروع بعمل إيجابي, يوازي القدرة على استغلال حالة الكآبة في استخراج الطاقة اللازمة, ليجاد الصحو والطمأنينة, إن لم يكن الفرح أو السرور!
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة ... ضياء
يقول هكتور دورفيل: "إن من يحب أشباهه ولا يعاملهم إلا بما يرضون هم أن يعاملهم به, يملك بلا ريب نفوذاً شخصياً, على درجة ما, قد تكون عالية, وقد تكون وسطاً: هذا يوفر الخير إلى لغيره, ولا يمكن أن يناله أذى. وكلما كان المرء طيباً, بصورة عامة, وينفق من طيبته هذه, بحيث يكون إنفاقه منها دون استنزال فائدة, أو رغبة طامعة, تلقى طيبة الآخرين, وكوفئ, وأرتفع في نظرهم إليه!"
كن إذن دوماً صافي السريرة, طيب القلب, خير الاتجاه, منصفاً في أحكامك, مع أقرب الناس إليك خاصة, تصل إلى حالة صحو داخلي عميق, وتضعف أعداءك مهما كانوا أقوياء...

تطبيقات
إذا كانت درجة القوة الجاذبية والمسيطرة التي يبلغها مغناطيس الشخصية, تقوم على قوة الحياة النفسية من جهة, وكان المراد إحداث التأثير الذي يلي ما نريد, من جهة ثانية, منوطاً أن يكون التأثير المشار إليه, موجهاً بوعي كامل وحزم وإنصاف, يصبح من الضروري:
1ـ أن يعمل المرء بكل قوة على حكم حياته النفسية, وعبارتها الكبرى: الفكر.
2ـ أن ينظم نشاطه النفسي المتكاثف الشديد, الحاد, تنظيماً دقيقاً.
هذا يقتضي جهوداً عظيمة.... وفي نهايتها إذا وفق إليها, ترتفع درجة التأثير اللامنظور.

حتى تصير مثقفا حتى تصير مثقفا

حتى تصير مثقفا حتى تصير مثقفا
اللفظة العربية "ثقافة" هي الترجمة السائدة للكلمة الإنجليزية “Culture”، وتعود جذور الكلمة الإنجليزية إلى اللفظ اللاتيني “Culture” ويعني حرث الأرض وزراعتها، وقد ظلت اللفظة مقترنة بهذا المعنى طوال العصرين اليوناني والروماني. وفي فترة لاحقة، استخدمها المفكر اليوناني "شيشرون" مجازًا بالدلالات نفسها، حين أطلق على الفلسفة “Mentis Culture” أي زراعة العقل وتنميته، مؤكدًا أن دور الفلسفة هو تنشئة الناس على تكريم الآلهة.
وفي عام 1871م، قدم إدوارد تيلور تعريفًا لهذا المفهوم في كتابه “Primitive culture”، حيث اعتبره "ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بصفته عضوًا في مجتمع".
وبانتقال مفهوم “Culture” إلى “Kultur” الألماني اكتسبت الكلمة مضمونًا جماعيًا، فقد أصبحت تدل على التقدم الفكري الذي يحصل عليه الفرد أو المجموعات أو الإنسانية بصفة عامة. بناءً على ذلك، عالج المفكرون الألمان العلاقة بين علوم الـ “Culture” والعلوم الطبيعية.
من ناحية أخرى اتجه المفكرون الإنجليز إلى النظر في التطبيقات العملية لمفهوم “Culture” في المسائل السياسية والدينية، لذلك عرّفها كلايد كلوكهون بأنها: مجموعة طرائق الحياة لدى شعب معيّن في الميراث الاجتماعي التي يحصل عليها الفرد من مجموعته التي يعيش فيها.
وهذه بعض النصائح التي قد تساعدك لتصبح مثقفا:
قراءة لمدة عشر دقائق يوميا ..
سماع شريط ..
حضور محاضرات ودورات بمعدل محاضره كل شهر ودورة كل ستة أشهر ..
تعلم لغة جديدة ..
جعل التميز هو الهدف في العمل ..
الاستيقاظ مبكرا واستغلال هذا الوقت في تدوين فكره جديده ..القيام بعمل محبب إلي النفس ..
الاحتفاظ بمفكرة صغيره قريبه من السرير ويدون بها الأفكار الطارئة قبل النوم فهي تعتبر هدية من العقل ..
قبل النوم يجب التوجه بسؤال إلي النفس ...هل تريد هذا اليوم أن يعود
مره أخري ...هل أنجزت شيئا فيه ..هل تريد أن تقوم بطريقه مختلفة في اليوم التالي
قيم يومك دائما وسترى النتيجة ..
أخيرا دع لنفسك المجال لتجرب ولا تقيدها ... ومع الأيام ستتحول إلى الشخصية التي تحبها ..
بقلم : نور
بتصرف من كتاب مفاتيح النجاح للكاتب الدكتور .. إبراهيم الفقي







تعلم من أخطائك *

تعلم من أخطائك *
نحن جميعاً نرتكب أخطاءً في العمل, ومع ذلك, فجميعنا لا يتعلم من هذه الأخطاء. ومن أجل أن تتجنب تكرار أخطائك, فأنت بحاجة إلى أن تحدد هذه الأخطاء وتتعلم منها ثم تقوم بتطبيق ما تعلمته فيما يعرض لك من مواقف في المستقبل.

كن قادراً على تحديد أخطائك
قد يبدوا هذا واضحاً, ولكن عدداً كبيراً من الناس لا يتعلمون من أخطائهم لأنهم لا ينظرون إليها على أنها أخطاء في الأصل, على سبيل المثال, إذا حدث وغضب منك زميل لك في العمل لأنك لم تطلعه على بعض المعلومات وهو الأمر الذي يؤثر على عمله وأصبحت أنت في موقف المدافع وأوضحت له أنه ليس من صميم عملك أن تخبره ببذلك, فهل ستتعلم من هذا الموقف وتحاول منع تكرار حدوثه أم ستصرف نظرك عنه باعتباره " مشكلة تخص زميلك هذا"؟

قم بتعريف الخطأ على أنه شيء لم يحدث وفق ما توقعت له أو وقوعه يكون عندما يفاجئك شيء ما على نحو غير متوقع وبطريقة غير سارة. إن تحديد الأخطاء بهذه الطريقة يسمح لك بأن تتوقع عدداً أكبر من المشكلات المحتملة التي يمكن أن تؤثر عليك وعلى عملك أو على زملائك الآخرين في العمل, وبالتالي فإن توقعك لتلك المشكلات سوف يمكنك من منع المواقف السلبية قبل وقوعها.

اسأل نفسك (والآخرين كذلك) عما يمكن أن يتم إنجازه بشكل مختلف
حتى إذا لم تكن المشكلة ناجمة عن خطأ منك, فبادر بتحمل مسؤولية إيجاد حل لها يجعل من مهمتك ومن مهمة زملائك شيئاً أيسر في المستقبل. التمس التقييم من الآخرين الذين تأثروا بالمشكلة أو من مديرك أو زملائك. وإن لم يكن هؤلاء طرفاً في المشكلة, فاشرح لهم الموقف والتمس منهم الرأي لمعرفة تصرفهم المحتمل في مثل هذا الموقف, وحاول أن تستكشف معهم الأساليب الممكنة للوقاية من مثل هذه المشكلات.

خطط لتطبيق ما تعلمته على المواقف المستقبلية
كن متسماً بالمبادرة في الحيلولة دون تكرار نفس الخطأ أو حدوث خطأ آخر مرتبط به, أخبر الآخرين بخططك, خصوصاً إذا كان يمكنها أن تؤثر عليهم.
* 1001 طريقة لأخذ المبادرات في العمل, بوب نيلسون, مكتبة جرير للترجمة والنشر والتوزيع, ص 21, الطبعة الأولى 2001، بتصرف.